تبدي أم قصي أسفها لاختفاء تلك الأواني إلى حد كبير حيث حلت محلها الأواني الزجاجية الصينية، وكذلك الأواني النحاسية وتلك المصنوعة من الألمنيوم ، وتشرح طريقة صناعة الأواني الفخارية، وتبين أنها تعتمد بشكل أساسي على الطين الأحمر الذي يعرف في العراق بأسم "الطين الحر"، أي النقي والذي يستخرج من قعر النهر ويضفي من الشوائب ويضاف إليه خليط البردي.
وبحسب مقالة لرئيسة قسم الفخار السابقة في معهد الفنون الجميلة في بغداد نيران يارث يونان، فإن العراق عرف هذه الصناعة قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة ق.م، حيث كانت لصناعة الفخار وظيفة واحدة هي تلبية احتياجات الإنسان الذي أخذ يصنع أدواته المستعملة في الحياة اليومية كالأواني، وبعد ازدهار الحياة الاجتماعية في هذه العصور أخذت تدخل على الفخار المسائل الجمالية.
ويرى الصحافي والباحث في الشأن الشعبي عدنان الازرقي أن بلاد الرافدين، وخصوصًا الجزء الجنوبي منها، عرف هذه الصناعة مبكرًا، واستمرت إلى وقت قريب من القرن الماضي، بل لا تزال أرياف الجنوب العراقي تشهد هذه الصناعة.
وبيّن المتحدث أن كثيرا من العوائل الجنوبية الريفية "مصرّة على استخدام التنور الطيني" لصناعة الخبر، وكذلك "الحب" الذي لا يزال حاضرًا بقوة، لاسيما وأن البلاد تعيش أزمة كهرباء مستمرة، مما يجعل عملية تبريد الماء في فصل الصيف صعبة مع عدم قدرة العوائل على توفير الطاقة الكهربائية، لذا تلجأ إلى هذه الوسيلة البدائية.
ويشير الأزرقي إلى أنه في الماضي كانت هناك بعض العوائل التي كانت متخصصة ومعروفة بصناعة الفخار الشعبي.
في حين يرى الفنان والنحات أحمد الناصري أن هذه الصناعات البدائية كانت وسيلة لسد حاجات الناس ولم تكن ذات بعد جمالي في الأساس، ولذا فإنها زالت بزوال الحاجة إليها بعد التطور في الحياة الاجتماعية وتطور الصناعة في العالم.
ويضيف الناصري لـ"لايف ستايل" أن صناعة الفخار الجمالية لا يمكن أن تزول نهائيًا لأنها مرتبطة بذوق جمالي ومطلوبة للاطلاع على الإرث الحضاري ، وكذلك ممازجة هذه الأعمال مع التطور الحضاري الذي يعيشه العالم.
ويطالب الناصري بإنشاء متحف شعبي، إلى جانب المتحف الحضاري الذي افتتح مؤخرًا في محافظة ذي قار، لتوثيق الحياة الشعبية، وكذلك جمع نماذج من هذه الأعمال اليدوية لإطلاع الأجيال والسياح والباحثين على طبيعة الحياة العراقية قبل أن تتطبع ببصمات العصر الحديث.
وفي الآونة الاخيرة عادت المهن الشعبي من جديد بعد ما تركت الحروب المتعاقبة في العراق أعدادا كبيرة من النساء الأرامل البائسات، في بلاد عانت وتعاني من الصراعات والطائفية وتدني مستويات المعيشة جعلت أعمال العنف فيها نساء عراقيات بلا عائل يكسب القوت لأسرهن.
ووجدت هؤلاء النساء فرصة للتدريب على الحرف اليدوية من خلال منظمة حرية المرأة في العراق، وهي منظمة غير حكومية تأسست في عام 2015 هدفها حماية حقوق المرأة في البلاد ومساعدتها على تجاوز الصعوبات التي تعيشها، حيث تقوم المنظمة بتدريب هؤلاء النساء الفقيرات والمنعزلات على الحرف والأعمال اليدوية.
كما تقوم المجموعة بتعليم ما يقرب من 50 امرأة فن صياغة المجوهرات في ورشة عملها. ثم تُباع هذه المنتجات ويتم توزيع جميع الإيرادات بالتساوي بين أفراد المجموعة.
وقالت جنات الغزي، مديرة العلاقات والإعلام في منظمة حرية المرأة في العراق، إن مهمة المجموعة دعم النساء اللاتي يعانين من صعوبات ومحن اقتصادية ومنحهن الفرصة لتطوير مهاراتهن التي يمكنهن بعد ذلك استخدامها لتمكين أنفسهن.
وأضافت "في الحقيقة منظمة حرية المرأة في العراق سباقة دائما، فهي تريد أن تجد السبل والطريقة التي تجعل المرأة تتقدم أكثر في حياتها".
وتابعت قائلة "العراق مر بحروب وأوضاع اقتصادية وسياسية جعلت النساء في وضع صعب جدا، هناك جيل جديد من الشابات والنساء يكبرن من دون تعليم ومن دون مهنة، جيل كامل فاقد لأهله، فاقد لمعيل، فاقد لأب ولأخ".
ولا توجد بيانات دقيقة حول عدد الأرامل في العراق، لكن في عام 2011 قدرت وزيرة شؤون المرأة آنذاك، ابتهال الزيدي، أنه قد تكون هناك مليونا امرأة معيلات لأسر في العراق معظمهن من الأرامل بسبب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والصراع الطائفي الذي أعقب ذلك وحرب الخليج الأولى أو الحرب بين إيران والعراق في الثمانينات.
وقالت الغزي إنها تشعر بالإحباط لأن الحكومة لم تفعل المزيد لدعم النساء ، وأوضحت "لا توجد مؤسسات دولة ترعى هذا الجيل، نحن كمؤسسة مجتمع مدني أخذنا هذا العمل على عاتقنا، والشيء الذي نقوم به هنا هو ورش تدريبية لتعليم النساء الحرف اليدوية، الموضوع بدأ بفكرة بسيطة ثم تطورت وكبرت، بدأنا ببعض الحرف اليدوية كصنع الأساور وأعمال يدوية أخرى كالخياطة وتريكو والشغل بالنسج، وبدأنا في الترويج لمنتجاتنا عن طريق صفحة على فيسبوك" ، بالإضافة إلى ورشة التدرب على الحرف اليدوية تقوم المنظمة أيضا بتعليم النساء الأميات مبادئ القراءة والكتابة".
التخصص في الصناعات
أن ظاهرة التخصص في الصناعات تبرز واضحة في أكثر مدن العراق الرئيسية، كون المهن وراثية، وأصبح كل صانع يفضل حرفته على باقي الحرف، ويرغب أن يمتهنها أولاده. كما أن المدن توسعت وازدادت مرافقها العامة، وتطورت فيها الحياة الاجتماعية والاقتصادية فبات من الضروري بروز ظاهرة التخصص لكي تفي بمتطلبات الحياة الجديدة.
فأحيانًا تكون صناعة النسيج ، بأنواعها ، صناعة منزلية، وحينئذٍ تتضح فيها ظاهرة التخصص، إذ كانت النساء يغزلن الخيوط، في حين يتولى الرجال نسج تلك الخيوط وهؤلاء جميعًا يعملون لمصلحة تجار معينين يدفعون لهم أجرهم المتفق عليه ، ففي بغداد اختصت محلة العتابية بصنع الثياب العتابية التي كانت تحاك من حرير وقطن بألوان مختلفة واشتهرت محلة أخرى في بغداد الغربية بصنع الثياب التسترية المشهورة. واختصت محلة دار القز في الطرف الغربي من بغداد بصنع الورق الذي اكتسب شهرة واسعة.
ولا شك في ان وجود الأنواع المتعددة من نسيج الملابس والثياب والسجاجيد والبسط والستائر وغيرها، تطلب وجود عمال مختصين في صنع كل نوع من هذه الأنواع. بالإضافة الى وجود صناع بارعين مختصين في فن الصباغة.
وبلغ من دقة التخصص في هذا المجال، ان بعض الصباغين كان يقتصر في عمله على الصبغ بصبغة واحدة.
ونستطيع أن نلمس دقة التخصص في العمل ان هناك عمالاً يتولون غسل الكتان أو القطن أو الصوف قبل غزله، ويتولى الإشراف على هذه الخطوة ناظر خاص، ومن ثم يقوم النساجون بنسجه وفق المواصفات المطلوبة.
وهناك سماسرة مختصون يحددون الثمن للأقمشة المنسوجة، في حين يوجد عمال آخرون يختمون اللفائف المخرومة المراد تسليمها للتجار الأجانب حيث تتم عملية التصدير.
واختص صناع الأحذية في بغداد بصنع نوعين ممتازين من الجلود، الدارشي، وهو جلد أسود، واللكاع، وهو جلد أحمر، وتفننوا بدباغتهما، إذ استعملوا لهذا الغرض قشور الرمان. وتمثل التخصص أيضاً لدى الخياطين الذين كانوا ذوي اختصاصات متنوعة، منهم الروافون، والقصاصون، وصناع القلانس، والمطرز وغيرها.
وبرزت ظاهرة التخصص حين استخدمت الدولة صناعاً في الصناعات التي لها علاقة بالمصلحة العامة، كصنع الأسلحة وسك النقود وتركيب الأدوية وصناعة الورق والطراز وانشاء الأبنية والمؤسسات الدينية والحكومية والقنوات والجسور وغيرها.
وتوجد روايات تاريخية كثيرة تؤكد ظاهرة التخصص، ففي البصرة كان أصحاب كل مهنة يجتمعون معاً في محل واحد مكونين سوقاً فرعية صغيرة داخل السوق الكبير، فخالد بن عبدالله القسري والي العراق صنف الأسواق في الكوفة بحسب المنتوجات التي كانت تعرض فيها، وكذلك فعل الحجاج بن يوسف الثقفي عند تخطيط مدينة واسط، إذ جعل لكل حرفة سوقاً فرعية صغيرة داخل سوق المدينة الكبير. وبناء على طلب الخليفة العباسي المنصور أصبح لكل نوع من المهن في بغداد محل خاص به.
ورأى المسؤولون ضرورة وجود بعض الصناعات في أطراف المدن، وبخاصة التي لها تأثير مضر على صحة المواطنين، مثل المسالخ، والمذابح ومسابك الزجاج ومصانع الحديد والآجر وصناعة الصابون ودباغة الجلود وما أشبه ذلك.
ومن المؤكد ان الإشراف الحكومي على الأسواق والمصانع ساعد على بروز ظاهرة التخصص حتى ان ممارسة بعض الصناعات كانت تتطلب الحصول على اجازة خاصة من الحكومة.
أهم المنتوجات الصناعية
بعد استتباب الوضع في العراق عملت الدولة العربية الإسلامية على صيانة كل أنواع الصناعات المحلية وتحسينها وتطويرها. فشهدت البلاد نهضة صناعية واسعة، تطلبتها ظروف البلاد المستجدة التي أدت الى نمو المدن وتقدمها، الأمر الذي أدى الى زيادة حاجتها الى الصناع، لا سيما وان ولاة العراق خلال العهدين الراشدي والأموي، أقدموا على انشاء عدد من المدن والأمصار التي تطلبت أعداداً كبيرة من الصناع والحرفيين في مختلف الصناعات.
وتعتبر الحياكة من أقدم الصناعات اليدوية التي عرفها كثير من مدن العراق وقراه، الأمر الذي جعل الصناعات النسيجية من الصناعات العريقة والمهمة في وادي الرافدين، ذلك ان نتاجات هذا النوع من الصناعة، كانت وما زالت من المتطلبات الأساسية التي يحتاجها الإنسان، كما أن المواد الأولية التي تعتمد عليها هذه الصناعة متوافرة في العراق، كالأصواف والقطن والحرير والكتان وغيرها.
واشتهر العراقيون بصناعة الخز الذي كان يصنع عادة من الصوف. واهتم والي العراق زياد بن أبيه بتنشيط الصناعات النسيجية، إذ يعتبر أول من أدخل صناعة المنسوجات الكتانية الى البصرة. وعرف عن الخليفة سليمان بن عبدالملك انه كان يلبس الثياب الرقاق وثياب الوشي التي كانت تصنع في مدينة الكوفة وتحمل الى الخليفة في الشام.
ومما ساعد على ازدهار صناعة هذا النوع من الثياب، انه كان لكل فئة من فئات المجتمع لباسها، ولكل صنف زيه، وكل مناسبة تتطلب نوعًا خاصًا من الملابس مما شجع على تحسين المنتوجات والإكثار من أصنافها.
ونظرًا لميل الناس الى ألوان مختلفة من الأقمشة، بات من الضروري ظـهور فن راقٍ في الصباغة فيروى أن مدينة واسط كانت أشهر محل للصبغ بالقرمز، واستخرج الصباغون من قشر الرمان صبغًا أصفر جميلًا ورخيصًا وثابت اللون وكان الزعفران يستعمل لتكوين صبغة صفراء ممتازة.
وقبل الفتـح الإسلامـي للعـراق، اشتهرت مدينة الحيرة بصنع أنواع جيدة من السجاد الذي كـان يلاقي رواجاً كبيراً في الأسـواق، لجـودة صنـعـه وتناسـق ألوانه. وتطورت هذه الصناعة خلال العهدين الأموي والعباسي كثيرًا وصنع في الحيرة أيضًا نسيج فاخر من الحرير بالإضافة الى الأقمشة القطنية والصوفية.
وامتدت صناعة السجاد الحيري الى النعمانية التي هي الأخرى برزت بهذا النوع من الصناعة، إلا أن السجاد الذي كان يصنع في النعمانية كان يسمى السجاد الحيري نسبة الى مدينة الحيرة. وهذه النسبة لا تخلو من دلالة، إذ كانت النقوش والزخارف التي ترسم على السجاد الذي كان يصنع بالنعمانية، هي النقوش والزخارف نفسها التي توضع على السجاد الذي صنع في مدينة الحيرة. وغالباً ما شملت الرسوم والزخارف، الخيل والجمال والسباع والطيور. وأحياناً كان النساجون يتفننون في اتقان وتنوع حياكة البسط، إذ استعملوا الحرير مع الصوف في نسجها، وقد يزينونها بخيوط من الفضة أو الذهب.
وعرف العراقيون صناعة الخيام التي كانوا ينسجون قسماً منها من صوف الأغنام حين أطلقوا عليها اسم الخباء. في حين أطلقوا على الخيام التي كانوا يصنعونها من شعر الماعز اسم الفسطاط، والخيام التي صنعوها من وبر الإبل السجاد والخيام المصنوعة من نسيج القطن السرادق. وهناك نوع من الخيام، استعمل على نطاق ضيق، وصنع من نوع خاص من الجلد سمي الطراف، واستعمله الأغنياء.
ومنذ خلافة الأمويين اشتهر العراق بصناعة الطراز، إذ وجد فيه عدد كبير من الصناع الذين امتهنوا هذا النوع من الصناعة واتقنوه، حين كانوا يصنعون النسيج من الحرير والديباج والابريسم المحلى بسطور من الكتابة على حافة القماش مطرز عليها أسماء الخلفاء أو الولاة وبعض عبارات الدعاء وفي الغالب تكون الكتابة بخيوط من الذهب، أو لون يخالف لون القماش.
ودور الطراز كانت مملوكة من الدولة، وان صناعها هم عمال يشتغلون بأجر عند الدولة ونستطيع أن نتلمس مدى اهتمام الدولة بهذه الصناعة وتطورها، انه أنشىء ديوان خاص بها سمي "ديوان الطراز" ووضع هذا الديوان تحت إشراف موظف خاص دعي "صاحب الطراز"، ووجدت في العراق بعض الصناعات التي تعتمد على الأخشاب مثل الرماح والنبال والأقواس والسهام وبعض أدوات الحصار وتشير المصادر أن الأخشاب كانت متوافرة في منطقة الموصل الواقعة على الأطراف الشمالية للبلاد حيث تكثر الغابات وأن قسمًا منها صدر إلى بعض مدن العراق الرئيسية.
وأحيانًا كان الخشب يستورد من خارج العراق فيتولى الصناع العراقيون صنع الكراسي والمناضد والأبواب والشبابيك والسقوف الخشبية والآلات الموسيقية وكانت قطع الخشب تسمى بالمسامير أو تدخل نهايتها ببعضها بصورة فنية، ثم تصقل حتى يظهر الكل قطعة واحدة.
ودخلت الأخشاب أيضًا في صناعة السفن والمراكـب والقـوارب الخشبية التي صنعت في البصرة وبغداد وواسط واستعملت للنزهة أو النقل أو الحرب وينسب الى الحجاج بن يوسف الثقفي ، والي العراق ، أنه أول من عمل السفن التي تخرز بالمسامير، والسفن المطلية بالقير وتفنن أهل البصرة في صنع أبواب البيوت وسقوفها من جذع النخيل.
وثمة صناعات أخرى نشطت في العراق مثل صناعة العطور وماء الورد واستخلاص الدهون من النباتات والبذور، التي يستفاد منها في الطب وفي الطيب. واستخلصوا دهن البنفسج الذي تميزت به مدينة الكوفة، كما اشتهرت البصرة بصنع ماء الورد والسكر المستخرج من قصب السكر ونشطت صناعة الزيوت والشموع والصابون المستخرج من زيت بذور السمسم والزيتون واستخرج زيت المصابيح في العراق من زيت السمسم.
وفي نهاية القرن الثاني الهجري أحدث العراقيون انقلاباً عظيماً في صناعة الورق فحرروا مادة الكتابة من الاحتكار، وصيّروه رخيصاً، حين أنشىء مصنع في دار القز لصنع الورق في بغداد ، ودخل الحديد في صناعات عدة، كان أهمها الأبواب والسكاكين والنشاب والسلاسل والأسلحة كالسيوف والدروع والرماح ونشطت هذه الصناعة منذ العهد الأموي حين نالت اهتمامًا كبيرًا من قبل الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك.
ثم توسعت في العهد العباسي، فقامت صناعة السيوف في كل من الكوفة والبصرة ، واستعمل النحاس في صناعات كثيرة، تأتي في مقدمتها العملة النقدية والأواني التي اشتهرت بها مدينة الموصل.
كذلك وجدت صناعات معدنية قائمة على معدن الفضة والذهب وصنع في بعض مدن الجزيرة الفراتية آلات القياس مثل الاصطرلاب وغيرها من الآلات الرياضية وكذلك الموازين الدقيقة.
أما صناعة الفخار فقد وصلت الى درجة غاية في الاتقان وتفنن العراقيون في صنع الخزف وأشهره الخزف البغدادي ذو الألوان الزاهية. واشتهرت واسط بالخزف ذي البريق المعدني بعد أن أدخلت مادة الرصاص إلى الدهان وارتقى التفنن في التزجيج وفي استعمال الألوان ارتقاءً كبيراً، حتى ان بعض الباحثين يرى ان فن التزجيج الملون نشأ في العراق، وانتشر منه الى بلدان عربية أخرى.
الأصناف والتنظيم الحرفي
نستطيع أن نميز نوعين من الصناع، الصناع المأجورين الذين يقومون بعملهم لحساب غيرهم لقاء أجر محدد يتقاضونه، والصناع المستقلين الذين يمارسون عملهم في بيوتهم، أو حوانيتهم لحسابهم الخاص، وهؤلاء في الغالب، من ذوي الحرف الذين ورثوها عن آبائهم ، وهم على العموم أحسن مكانة من الصنف المأجور، فهم يمتلكون وسائل الإنتاج والأدوات البسيطة ورأس المال المحدود.
ولا نستطيع أن نجزم بوجود تنظيمات نقابيـة مهنيـة بمفهومهـا المعاصر بين صفوف الصناع والحرفيين في العراق، فـي بداية قيام الدولـة العربيـة الإسلاميـة ، إلا أننا نلمس بوضـوح شيئاً من التكتل بين أصحاب الحرف والصناعات الذين كانوا يشار اليهم بـ"الأصنـاف" و"أهـل المهـن" و"أهـل الصنايع" ، وهي إشارات تدلل على بروز ظاهرة التنظيم.
وهكذا ساد شعور بضرورة تماسك أصحاب الحرف، ولا سيما في الأزمات السياسية والاقتصادية التي تحدث بين الفينة والفينة ولكن في النصف الثاني من العهد العباسي حدثت تطورات داخلية في تنظيم "أهل الحرف" أكسبتها إطارها العام، فأصبح لكل حرفة شيخ أو رئيس من أصحابها، تعينه الحكومة عادة، أو تعترف به، وتعده ممثلًا للحرفة، ومن طريقه تجرى الاتصالات وتتحدد المواقف ، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا النهج إلى ايجاد الوسائل التي تحمي أصحاب الصنف، وتبعد أي تجاوز عليهم.