لعبة المحيبس

تنتشر لعبة "المحيبس التراثية الرمضانية" في الشارع العراقي الشعبي، بشكل لافت للنظر، مع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام، وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين وجمهور. ولعبة المحيبس "الخاتم"، لعبة جماعية شعبية، تمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين، ويضم كل فريق من الفريقين المتنافسين الذي يمثل الحارة أو الزقاق أو المحلة أو المدينة أكثر من عشرة لاعبين، ويصل أحيانا إلى ألف لاعب في الفرق الكبيرة، ومثله في الفريق الخصم ومن أهداف هذه اللعبة تقوية أواصر المحبة والصداقة، بين أبناء الحي الواحد وتوطيد الأخوة والتعارف بين أبناء المدينة الواحدة من خلال هذه اللعبة.

وتكون اللعبة عادة من جولة أو جولات عدة وعلى الفريق الفائز تحقيق الحد الأعلى من النقاط "21 نقطة"، وتمتد مدة اللعبة إلى ساعات أحيانًا ويخبئ أحد الفريقين الخاتم، بين أيدي لاعبيه، ويجتهد لعدم الكشف عنه من قبل الخصم مسجلين النقاط تلو النقاط وهكذا. وتجري القرعة للاستحواذ على الخاتم، مقابل نقطتين للفريق الآخر، ويعتمد الفريق عادة على كشاف الخاتم بالدرجة الأساس وبالتالي على حامل الخاتم بالدرجة الثانية. ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعض الحلويات العراقية المعروفة بالزلابية والبقلاوة، في نهاية اللعبة ويتحمل الفريق الخاسر أثمان الزلابية في الأحياء الشعبية. وكذلك تتخلل هذه المباريات الكثير من الأغاني والبستات البغدادية الجميلة.

وعلى الصعيد الرسمي، شهدت العقود الثلاثة الماضية، تنظيم بطولات ومسابقات للأندية والمحافظات، ويشترك فيها عادة 48 فريقاً فما دون. وتجري اللعبة على طريقة الدوري على مدى ليالي رمضان، وتوقت المباراة النهائية مع وداع رمضان، وفي صباح العيد السعيد يعلن عن الفائزين الأول والثاني.  وتكاد أن تكون هذه اللعبة الشعبية ذات خصوصية عراقية دون الأقطار العربية الأخرى ما عدا بعض الاهتمام الذي بدأ في السنوات الأخيرة، في بعض الدول العربية، مثل الأردن ودول الخليج العربي على نطاق محدود.

ومثلما هو الحال لمشاهير الكرة التي تعدت شهرتهم حدود بلدانهم بفضل مهاراتهم وتحكمهم المتميز بالكرة، فإن لعبة المحيبس أصعب بكثير من بقية الألعاب وبخاصة الشعبية، منها ككرة القدم ومثلما يحب البرازيليون اللاعب بيليه والأرجنتينيون نجمهم مارادونا، فإن جاسم الأسود يحظى بحب العراقيين، على مدى ربع قرن بعد أن تربع مع فريقه فريق الكاظمية على بطولة العراق منذ العام 1978، وهو من أقوى الفرق وأكثرها حصولا على البطولة، ويقوده النجم الرمضاني جاسم الأسود، الذي يتميز بفراسة نادرة قريبة من الإعجاز يكشف من خلالها الخاتم المخبأ بين أيدي المئات من الأشخاص، بصورة مدهشة ومثيرة للاهتمام، لما يمتلكه من مهارات حسية عالية وفراسة نادرة ليس في العراق فحسب بل ربما في العالم، وهو حالة نادرة في نظر المراقبين والإعلاميين، وبخاصة عندما نجح في كشف الخاتم من بين الفي يد لألف شخص، في إحدى مباريات فريقه (الكاظمية) أمام فريق بغدادي آخر (الفضل).

واعتبره البعض ساحرًا، والبعض الآخر يعتقد بأنه يحمل خرزة أو طلسمًا، يكشف به مكان الخاتم ، وآخرون ادعوا أن لديه الحاسة السادسة. وعندما تزور حانوته الصغير، الكائن في أحد أزقة الكاظمية، ستجده مزدحما بالكؤوس والميداليات والصور التي توثق أمجاده المحبسية، والسر في ذلك كما يقول هو، أنها موهبة الفراسة والخبرة وقوة الشخصية ولدى كيف تبصر الخاتم بعينيك أم بقلبك أم بعقلك؟ ليس بقلبي لأن العاطفة تغلب الإنسان ولكني أنظر بعيني وأبصر بعقلي وآخذ المحبس.