يطلق على مدينة القيروان التونسية اسم رابعة الثلاث باعتبارها المدينة المقدسة الرابعة لدى المسلمين بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف، ويعود سبب تقديسها إلى دورها الاستراتيجي في الفتح الإسلامي، وتعتبر القيروان شاهدة على أمجاد الحضارة العربية، وقد اشتهرت هذه المدينة الجميلة بصناعة السجاد الأصيل أو كما يسميه التونسيون "الزربية" فذاع صيتها ووصلت إلى الأسواق العالمية.
وقد تفننت نساء القيروان في حياكة السجاد بكل حب وإتقان، وتمكنت من الجمع بين الذوق الجميل والألوان الزاهية والحياكة الأصيلة والعراقة التاريخية، وتعد الزربية التونسية من أجود أنواع السجاد في العالم، حيث تحظى برواج كبير في الأسواق الداخلية والخارجية، سواء تعلق الأمر بما تنتجه النساء في بيوتهن أو ما تنتجه المصانع، فكله إنتاج خاضع لمواصفات فنية وحرفية. وكل زربية تحمل علامة جودة تمنحها جهات مختصة تسهر على ضمان جودة المنتج، وتلصق العلامة المختومة على ظهر السجاد وتحمل بيانات عن الجودة والدقة والمقاسات والنموذج وتاريخ الصنع.
وتونس البلد العربي والإسلامي العريق بموروثه الثقافي والحضاري هو ابرز البلدان العربية المنتجة للسجاد، وقد شهدت صناعة السجاد تطورا مهمًا في تونس، حيث تم تحديث طرق النسيج وتحسين جودة الأصواف وتطويعها، مع وضع مقاييس حديثة وتقنية للإنتاج مع التدرب على إتقان فنون هذه الصناعة من تلوين وزركشة وحياكة.
وتعتبر الكاملة بنت الشاوش، هي أول امرأة نسجت زربيّة إلى مقام أبي زمعة البلوي، وهو مسجد يضم قبر الصحابي أبو زمعة عبيد بن أرقم البلوي، في مدينة القيروان وسط تونس، وكان ذلك سنة 1830، وقد توزّعت الحرفة على مر العصور وانتشرت داخل المناطق الريفية في القيروان، مع اختلاف في التصاميم و"التنقيلة"، وهي النقوش التي توضع وأشهرها "المحراب" وبيت النحل، وغيرها من الابتكارات. ثم تم تقليدها في عدة مدن تونسية، وذلك بتنقل نساء قيروانيات إلى جهات أخرى من تونس وإشرافهن على تدريب نساء تلك الجهات على حياكة السجاد.
وللزربيّة أهمية خاصة في البيت التونسي عموماً، والقيرواني على وجه الخصوص، وتعد من أهم مكونات جهاز العروس مهما تكن الحالة المادية لعائلاتها، والألوان الطبيعية الزاهية، هي أهم ما يميز الزربية القيروانية، وأشهرها على الإطلاق الزربية "علوشة" نسبة إلى الضأن ويسميه التونسيون (علوش) وهي تحمل ألواناً (بيضاء وبنية وصفراء)، واختلفت الروايات بشأن المصدر الرئيسي لسجاد "الزربية"، إن كان فارسياً أم تركياً، لكن الموروث يُعتبر بربريًا (قبل الفتح الإسلامي وانصهر لاحقاً في الثقافة الإسلامية) وترك بصمته في التّصاميم والنقوش. وتضم القيروان 28 ألف حرفياً، في مجال الصناعات التقليدية مما يجعلها في طليعة المناطق الحرفية.
ومن ضمنهم ينشط نحو 15 ألفاً في قطاع الزربية، حسب تصريح المدير المكلف بالإشراف على مندوبية الصناعات التقليدية (حكومية) طارق ناجي، وأوضح هذا الأخير أن" القيروان تنتج 30٪ من الإنتاج الوطني للزربية، ويصل عدد الحرفيين الناشطين في مجال حياكة السجاد التونسي في مختلف انحاء تونس إلى 300 ألف حرفي يحيكون في العام الواحد أكثر من 500 ألف متر مربع.