ربما تشير القدرة على تحمل الألم الشديد إلى حدوث "أزمات" قلبية صامتة، ولا يعني عدم ملاحظة أعراضها أنها لم تحدث فعلًا، فنحو نصف عدد من تعرضوا لنوبات قلبية لا يشعرون بها في حينها، نظرًا لأن تلك الأزمات الصامتة لا يجرى تشخيصها إلا بعد حدوثها، وتحديدًا عند إجراء قياس للنشاط الكهربائي للقلب "رسم القلب"، أو عمل أي اختبار آخر قد يكشف ضررًا ما أصاب القلب.
لكن ماذا وراء هذه الظاهرة المفاجئة؟ قد يكون السبب تحمل الألم بدرجة تفوق المعتاد، ووفقًا لدراسة حديثة تحت عنوان "هل يخفي التحمل الشديد للألم أعراض الإصابة بأزمة قلبية؟"، غير أن بعض الناس يسيئون فهم تلك الأعراض ويظنون أنها عسر هضم، أو تقلص في العضلات، وهناك آخرون يشعرون بالألم لكن في الجزء العلوي من الجسم، لكن ليس في وسط الصدر، حسب الدكتور كينيث روسنفيلد، رئيس قسم الأوعية الدموية في مستشفى ماسيتشوسيتس التابع لجامعة هارفارد.
وأضاف الدكتور روسنفيلد: "لا يدرك كثير من الناس أعراض النوبة القلبية أثناء حدوثها، فالأعراض التقليدية لتلك النوبة لا تحدث بالصورة نفسها سوى في نصف مرات الإصابة"، وعادة ما يصف بعض الناس أعراض الأزمة القلبية على أنها إحساس غير مريح في الصدر أو مجرد شعور بضغط جاثم فوقه، فيما يصف البعض الآخر الأعراض بأنها إحساس بضربة شديدة، أو ألم عميق يشبه ألم الأسنان.
وهناك بعض الأشخاص أقل حساسية للألم من غيرهم، وربما ينكرون الإحساس بالألم ويتحملون فوق طاقتهم، لكي لا يبدون ضعفاء أمام الناس، فليس جميع الناس لديهم الإحساس نفسه ولا القدرة على تحمل الألم، كذلك هناك عدة عوامل "مثل الحالة العاطفية" التي قد تؤثر على إحساسك بالألم.
ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص المصابين بداء البول السكري أقل حساسية للألم، نظرًا لأن هذا المرض يميت الأعصاب "حالة تعرف باعتلال الأعصاب السكري"، مما يزيد من خطر الإصابة بأزمات قلبية صامتة.
موضع الإصابة ما موضع الإصابة تحديدًا؟
وأشار الدكتور روسنفيلد إلى أن مكان الألم عند الإصابة بنوبة قلبية قد يتغير من شخص لآخر، فربما يحدث الألم في الذراع أو الكتف، أو الرقبة أو الفك أو في أي مكان آخر في الجزء العلوي من الجسم، وضرب مثلًا: "كان عندي مريضًا شعر بألم في شحمة الأذن، وآخر شعر بالألم في المعصم"، وهناك أعراض غير تقليدية أخرى لا يدرك الناس صلتها بالنوبة القلبية، منها الغثيان والقيء، والضعف العام".
وعلى مدار مسيرته العملية الطويلة، فحص الدكتور روسنفيلد الآلاف من الأشخاص الذين تعرضوا للنوبات القلبية، وأفاد بأنه "رغم حقيقة أن النساء أكثر عرضة لأعراض النوبات القلبية غير التقليدية، من المهم أيضًا أن نتذكر أن الرجال ربما يشعرون بنفس تلك الأعراض أيضًا".
الضيق والألم بالنسبة إلى الأحاسيس
يطرح السؤال: هل هناك إحساس بالضيق أم بالألم؟والحكايتان التاليتان هما مجرد أمثلة عن أشخاص لم يقدروا خطورة آلام الصدر التي شعروا بها.
* الحالة الأولى مشتقة من قصة وردت في تقرير صادر عن "الكلية الأميركية لطب القلب"، تقول الحكاية التي وردت على لسان إحدى الفتيات اللاتي شاركن في حلقة نقاش ضمت بعضًا ممن مروا بنوبة قلبية وكيف تعايشن مع المرض، وقد أفادت إحدى المشاركات بأنه أثناء قيامها بعملها في تفريغ حمولة شاحنة "شعرت بما يشبه الشد العضلي، وتوجهت إلى مكتبي وجلست، وتناولت حبة أسبرين، وعندما شعرت بتحسن، قادت سيارتها عائدة إلى المنزل على أن تعود للعمل في اليوم التالي، وواصلت العمل لستة أسابيع.
وأضافت المريضة: "عاد نفس الألم مجددًا بعد هذه المدة، وعلى الفور ذهبت لغرفة الطوارئ، وبعد الخضوع للأشعة والاختبارات، أخبرني الطبيب بأنني تعرضت لنوبة قلبية منذ ستة أسابيع أثناء عملي في نقل حمولة تلك الشاحنة"، وصدمت الفتاة عندما علمت أن ما شعرت به كان نوبة قلبية "صامتة".
* القصة الثانية وردت في تقرير مختصر نشر في "المجلة الأميركية للطب The American Journal of Medicine" العام الماضي، وفيها وصف طبيبان قصة لا تنسى، كانت فيها ملابس المريض هي مفتاح اللغز للتشخيص النهائي لانسداد الشريان التاجي الذي تعرض له عدة مرات، ورغم أن الرجل الذي يبلغ من العمر 65 عامًا نفى أن يكون قد شعر بألم في الصدر، سأل أحد الأطباء عن تلك البقعة الغريبة على قميص الرجل، تحديدًا على الجانب الأيسر من الصدر، وأجاب الرجل بأنه كان يشعر ببعض الضغط في تلك الجهة عند بذل مجهود خلال الأشهر السبعة الماضية، وأنه كثيرًا ما كان يفرك تلك المنطقة من قميصه لتخفيف الألم.
وكانت تلك العلامة على القميص دليلًا واضحًا على أن إحساس الضغط أو ضيق الصدر، وليس بالضرورة الألم، ربما تكون علامة على مشاكل في القلب والأوعية الدموية.
تحمل الألم
* سؤال مهم: هل القدرة على تحمل الألم تخفي أعراض الأزمة القلبية؟ أجرت مجلة جمعية القلب الأميركية تجربة على عدد من الأشخاص الذين تعرضوا لأزمات قلبية "صامتة" شعروا بها وعلى آخرين تعرضوا لها ولم يشعروا بها، وكانت تفاصيل التجربة كالتالي:- المتطوعون: 4 آلاف و849 نرويجيًا بالغًا فوق عمر الخمسين.
- طريقة التجربة: غمس كل متطوع يده في ماء مثلج وتركها لأطول فترة ممكنة، لمدة أقصاها دقيقتان، في اختبار يعرف باسم اختبار الماء البارد، بعد ذلك رجع الأطباء لرسم تخطيط القلب وتقديم تقرير المستشفى الخاص بكل مشارك لتحديد من منهم تعرض لأزمات قلبية في السابق، سواء الأزمات التي شعروا بها أو التي لم يشعروا بها.
- الهدف: لمعرفة ما إذا كان الناس الأقل حساسية للألم أكثر عرضة للأزمات القلبية من دون الشعور بأعراضها.
- أهم النتائج: الأشخاص الذين مروا بنوبات قلبية صامتة تحملوا اختبار الماء البارد لمدة أطول بكثير، ولم يرفعوا أيديهم من الماء مبكرًا بالمقارنة بمن شعروا بألم النوبة القلبية.
* رسالة هارفارد للقلب - خدمات "تريبيون ميديا"