التقى فرقة اورينتل باند "Oriental Bend"، وهي فرقة الأم ذات السبعة أشخاص، جميعهم مصادفة، في يوم السلام العالمي، لإلقاء السلام في وجوه العابرين، واجتمعوا ليقرروا إنشاء فرقتهم الخاصة، وتحاول أن تقدم نفسها من خلال الطابع العراقي عبر بعض اﻷغاني التراثية، أو من ذاكراتنا القريبة بأسلوب وتكنيكات حديثة مع اﻵلات الموسيقية الشرقية، كالعود وبعض الإيقاعات مع اﻵلات الغربية، كاﻷورغ والجيتار الإلكتريك مترافقًا مع الغناء الجماعي.
وأضاف فادي مؤسس الفرقة "أننا نحاول أن نبعث برسالة إلى كل المهتمين في العالم وفي أوروبا بأننا أصحاب حضارة وثقافة، ونحاول أن نظهر الجانب المضيء من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا إن أمكن، ونعبر عن عراقيتنا بكل تلويناته وبكل ما نملك من الجمال واﻹبداع، ضمن مما يتيح لنا من منابر للتعبير من خلالها. ولا زلنا نحاول أن يكون صوت الموسيقا والغناء والثقافة هو الطاغي على صوت الرصاص والمفخخات والعبوات بقصيدة أو أغنية أو ابتسامة أو لحظة فرح، لكن اﻷمل واﻹرادة والمتابعة هو كل ما نملك وعبرهم نحاول إيصال صوتنا إلى كل العالم على كافة المنابر".
وهو عازف القانون، دخل معهد الفنون الجميلة من دون أيّ طموح يُذكر، سوى الهروب من "العسكرية"، وبقى في المعهد حتى ٢٠٠٥، تلك السنة التي كان تبدو فيها نُذر حرب أهلية في بغداد، وكان حمل الآلة الموسيقية خطرًا، يحملك أنت أيضا نحو الموت. ولم يجد أمامه إلا الكنيسة التي كانت الملجأ الوحيد لضمّ وحفظ موسيقاه، إلى أن أتتْ مناسبة يوم السلام العالمي، ليشارك فيها ويتعرّف خلاله على من يماثله شغفاً بالحياة والفنّ.
وتابع فادي "في سنة تأتي إلى مهرجان السلام الكثير من المواهب، ومهمتي اختبار الصوت، حتى شاهدت ماهر وأصالة، وأحببت صوتيهما كثيرًا. وكانت هناك أيضًا آمال، التي كانت تزورنا مع أصالة، فقررتْ أن تكون معها، وعند نهاية المهرجان أصبحنا أصدقاء، ثم تعرفنا على "بسام" و"أوس" و"مهند". ودون أي تخطيط أصبحنا نشترك معًا في المهرجانات الخيرية والشبابية التي جمعتنا".
وطلبتْ منهم شركة زين تصوير إعلان دعائي بعنوان "هسه اليه"، لإطلاق فرقتهم في لبنان، ولم تأت شركات الإنتاج، بغير فرصة لتسجيل الصوت فقط. ومع ذلك فهم ينتظرون فرصتهم الأنسب التي يستطيعون من خلالها إيصال رسالتهم برغم كل الخراب. "أصالة" التي تفتخر كثيرًا بتشجيع عائلتها لها ولشقيقتها "آمال" ترى "أن دراستها الطب لم تمنعها من الدندنة والغناء في المنزل مع آمال ووالدهما، إلى أن تمكنت من تحطيم الحظر المفروض في كليتها، منذ عام 1989 والغناء في مهرجان الربيع، لتكون الفتاة الأولى التي تصعد مسرح الكلية للغناء، بعد كل هذه المدة. وبرغم ذلك قوبل تصرفها بالرفض من قبل إدارة الكلية، وانتهى الأمر بمعاقبتها من قبل العميد، ولم يثنها ذلك فقد أعادت الكرّة في السنة اللاحقة".
وتقول "الجميع يخبرني وأختي بأن نتريث"، تسكت أصالة قليلاً لتكمل عنها أختها "آمال" "الجميع سيتحدث ،إنْ فعلنا شيئاً أم لم نفعل ، لكننا لا نفعل أمرًا معيبًا"، وتتساءل بحسرة "متى كان الفن عيباً"؟.
وتشتكي أصالة من قلّة أماكن التدريب، وهو سبب يحدّ من استمرارية تدرّبهم. وتقول "عند عودتي من سورية، كنت أتمنى كثيرًا أن يتوفر لدينا بعض ما يملكه الشباب السوري، من أماكن تساعدهم على إنشاء أحلامهم الخاصة بهم، لكننا في العراق نسرق الحياة سرقة في أكثر الأماكن خطورة، وتضيف "كلّ هذا الخطر ونحن لا نفكر بالربح الماديّ، فنحن نتدرب من أجل إحياء مناسبات خيرية تدعو إلى السلام".
وأخبرني ماهر، وهو المغنّي في الفرقة، عن بكاء الإعلامية الأميركية من أصل عراقي زينب سلبي، وتأثرها الشديد حينما وجدتهم بهذا العدد وبهذه القدرة على الحلم، ودهشتها حينما علمت بوجود الفتاتين، ذلك أن من هم خارج العراق لا يكادون يعلمون شيئًا عن العراق سوى أنباء الخراب و"داعش". وقال ماهر "عند غنائنا "طالعة من بيت أبوها" أضاف العازفون مقطعًا لموتزارت وهذا ما أثار إعجابها. ذلك أننا نغني غناءً تراثيًا بألحان وتوزيع جديدين، وهذا ما نريد إيصاله إلى الآخرين، ثم يضيف "نفعل هذا لأننا لا نريد للفنّ العراقيّ أن يتّسخ"، حدثني ماهر أيضاً عن الصعوبات التي واجهته، وهو يسير إلى الوسط الفنيّ فبعد تخرجه في كلية الهندسة، استطاع تسجيل أغنيتين، لكنه توقف بعد أن وصل إلى غرفة الفيديو كليب، فما السبب؟.
وواصل "وجدت شروطًا غير لائقة، هناك استغلال واحتكار وطلبات تنازل، كما وجب علي الغناء في أماكن لا أحب التواجد بها. لقد كان الأمر صعبًا للغاية. فضلت المهرجانات الخيرية ويوم السلام على مثل هذه الأمور". وعلل بسام، عازف الجيتار، بطء خطوات الفرقة بقلّة الفرص المتاحة أمامهم وصعوبتها، وتفضيلهم الأماكن التي تناسب حلمهم بفنّ خالٍ من الشوائب. ويقول "برغم جميع العقبات والصعوبات فإن مجرد التفكير بالقيام بعمل هنا فهذا يعني أننا نسير باتجاه صائب، في الأقل نحن نقوم بإيصال رسالة إلى من هم خارج الحدود، مفادها أن هنالك شباباً عراقيين لا يزالون يحلمون".
وذكر بسام أن والديه كانا من أشدّ المعارضين له، برغم الميول الفنية لهذين الوالدين. مع ذلك فضل بسام تعلّم الجيتار في منزله وبواسطة الإنترنت من دون مساعدة أحد، إذ أن حرمانه من استمرار اللعب بكرة القدم، بسبب إصابته كان حافزًا، للبحث عن حلم آخر يعمل عليه أثناء دراسته في العلوم السياسية، حتى استطاع إقناع عائلته وتمكّن من أخذ والده معه لشراء الجيتار".
وتقطع آمال حديث بسام، لتشير إلى أن هذا الخوف متعلّق بالوضع الأمني المتردي وقلّة وجود الأماكن التي يتدرب بها الشباب، فلا وزارة الثقافة قادرة على توفير مثل هذه الأماكن ولا حلمنا يتوقف ولا الوضع يمكن أن يستقر في الفترة الراهنة. وتضيف "الأهل يعترضون بسبب خوفهم، وهو أمر طبيعيّ، فأن تحمل حقيبة جيتار أو عود ليس بالأمر السهل هنا. وعوائلنا بين حيرتين. وعلينا تفهّم رفضهم أحيانًا". ويذكر أن "أورينتل باند" تتدرب في مكان خاص بصديقهم السادس في الفرقة، وهو عازف الجلو والعود "أوس سامي نسيم"، الذي تعمّد الرسوب في الإعدادية من أجل دخول أكاديمية الفنون الجميلة. وهو ابن عازف العود المعروف سامي نسيم.
واستطردت "عملت في فرقة منير بشير ثم شاركنا في عمّان وفرنسا ومصر، ثم تعلمت في الأكاديمية على آلة الجلو بعد أن علمني والدي آلة العود ثمّ إلى الفرقة السمفونية بخطى سريعة انتهت بصورة مبكرة كذلك". ويرى آخر عنقود الفرقة، صاحب آلة الكمان "مهند" الذي تعلّم الموسيقى برغم دراسته العلوم السياسية، أن العراق يملك المئات من الطاقات الشابة والمواهب المدفونة بسبب الحرب. ولقد أحببت دراسة العلوم السياسة. لم أرد دخول الأكاديمية، ذلك لأني أحب التنوّع، ويضيف "كثير من الفنانين لم يجدوا مكاناً يلبي طموحاتهم. إنهم وحيدون مع أحلامهم، وما من مستقبِل لهم أو مرحّب بهم. لذلك يهاجر أغلب الشباب بحثاً عن فرص أخرى مناسبة لهم في دول أخرى". وتختم آمال حكايتهم عن هدفهم الوحيد "السلام حتى وإن ظلوا كلّ أعمارهم يغنون في مهرجانات للسلام والأعمال الخيرية فقط".
وذكر أن هذه الفرقة الجميلة المكونة من كل هؤلاء الشباب الطموحين، لم يشاركوا سوى في مهرجانات خيرية وفي فعاليات أقاموها في مستشفيات مرضى السرطان، وملاجئ الأيتام ودور العجزة.