عارضات أزياء

ضجت وسائل الإعلام مؤخراً بخبر عن سيدتين تستعينان بجلد الأسماك النافقة لتصميم ملابس ومجوهرات تمهيداً لصنع حقائب في المستقبل، فالسيدتان Marta Sosa و Mauren Castro تقطنان في كوستا ريكا في قرية تبعد بضعة كيلومترات عن العاصمة سان خوسيه، فتلك الفضلات لم تعد تُرمى في البحر ما يسبب تلوثه، ولكنها تستعمل في صناعات أخرى، الأمر الذي يصب في إطار إعادة التدوير. تلك البادرة الفردية وغيرها من المبادرات التي باتت الدور التجارية تتلقفها تكشف الوعي المتنامي وحس المسؤولية تجاه الكوكب الذي نقطنه جميعنا تحت سماء واحدة، فماذا بشأن الماركات الراقية ودور الأزياء العالمية؟
ما لاحظناه فوراً أن الماركات العالمية ترى في استبدال الجلود الطبيعية بالجلود النباتية حلاً تستسيغه أكثر من تقبلها لسوق الملابس المستعملة، لأن هدف دور الأزياء العالمية ليس الترويج لتصاميم الدور القديمة بل للمجموعات الجديدة، وذلك عن طريق خلق حاجات جديدة تخلق رغبة لدى المستهلك لزيادة الاستهلاك.
انطلاقاً من هذه الدوافع أقامت دار بوما Puma حلقة نقاش للمقارنة ما بين الجلد الطبيعي والنباتي والمخاطر البيئية التي تحدث عن كل جانب منهما، وحملت هذه السلسلة الممتدة إلى سبع حلقات العنوان التالي: Know Your Stuff وسيتم طرحها على مدى أسبوعين عبر قناة يوتيوب الخاصة بالدار.
قبل الغوص في هذا الموضوع الحساس يجب أن نعي أن ارتداء أزياء مستعملة كان مصدر خجل وإحراج لدى المستهلك وخاصة النساء، ولكن توارث التصاميم والملابس والأكسسوارات من جيل لآخر جعل عنصر الشباب أكثر تقبلاً للفكرة، وخاصة إذا كانت التصاميم تحمل توقيع دور راقية مثل ديور وشانيل غوتشي لويس فويتون أو حتى سان لوران، لكن انتشار جائحة الكورونا وإقبال الناس في تلك الفترة على التسوق الإلكتروني أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت الدور تمر بها في العام 2020 جعلت النساء أكثر تقبلاً للفكرة، فباتت النساء فخورات باقتناء حقيبة من شانيل بحالة جيدة أو وشاح من هيرميس أو حتى صندوق من لويس فويتون، فلقد نجحت هذه الفكرة باستقطاب زبائن جدد لم يكنّ يحلمن باقتناء الماركات، وجعل أصحاب الثروات يلجأن إليها خاصة بالنسبة للمجموعات المحدودة القديمة التي تعود إلى عقود ماضية والتي باتت بحكم المفقودة إلا إذا وصلت إلى متجر للأغراض المستعملة Thrift Store.
تخيلوا فستاناً من ماركة راقية بـ500 يورو وحذاء من تصميم مبدع راحل بمبلغ متواضع، فأمام مخازن الألبسة المستعملة الراقية يتدافع الناس لشراء الملابس التي تتمتع بحال جيدة. لقد كسر الحجر الصحي حاجز الخجل فباتت الطبقة الميسورة أكثر جرأة في تجربة اقتناء تصاميم قديمة أو مستعملة، والتباهي باقتنائها كاسرة حاجز الخوف والتكتم على الموضوع، فالماركات الراقية لا تجري تخفيضات إلا بنسب قليلة وليست كلها، فالبعض قد يلجأ إلى إتلاف التصاميم التي لا تباع أو إعادة تدويرها. كما أن المنتجات القديمة المنفذة يدوياً خاصة لدى دور مثل ديور وشانيل كانت تنفذ بطريقة أرقى بعيدة عن الماكينة والتكنولوجيا. وتشير المعلومات التي ذكرتها وكالة الصحافة الفرنسية أن أكثر المبيعات تتم إلكترونياً، ربما لتفادي الإحراج عبر دخول المتجر أو لسهولة الدفع بالبطاقة مع إمكان الاستبدال.

وأوردت التقارير الأخيرة أن هذا السوق بلغ نحو 45 مليار يورو في العام 2023 محققاً تقدماً بنسبة 4 إلى 6 % على مدار السنة، وذلك بناء على الدراسة التي قدمتها الشركة الاستشارية العالمية Bain & Company، فهذا السوق لم يكن موجوداً قبل العام 2009 ولكنه تنامى بشكل تصاعدي نظراً لأسعاره التنافسية في مجال الرفاهية، الأمر الذي دفع بمجموعة كيرينغ التي تمتلك غوتشي وسان لوران إلى المساهمة في متجر Vestiaire Collective، فبالنسبة للمدير المالي للمنصة السيد برنارد أسطا يشكل الثمن عنصر إغراء للمستهلك الذي كان يحلم باقتناء تصاميم راقية، ولهذا السبب يمكننا فهم الدافع الذي أدى إلى ابتكار معرض خاص بالتصاميم الراقية المستعملة في فرنسا وهو ReLuxury الذي سيجري في نوفمبر المقبل.
بشكل عام يعتبر نقاد الموضة أن اعتياد المستهلك وخاصة النساء على التصاميم الراقية المستعملة سيؤدي حتماً إلى شراء تصاميم راقية جديدة ستدر أرباحاً على الماركات الأصلية، ولكن السؤال الأهم الذي تخشاه الماركات الراقية هو الترويج لتصاميم مزورة، لذا فمن الضروري تجنيد طاقم للتأكد من أصالة تصميم الأزياء قبل تقديمها في المتجر، الأمر الذي تدركه تلك المتاجر وتحرص عليه، لعلمها أن الدوروعلى رأسها المجموعة العملاقة LVMH  تبذل جهداً جباراً لمحاربة التصاميم المزورة.

قد يهمك ايضا

دور الأزياء الراقية تتنافس لتصميم إطلالات مُميزة للفرق الأولمبية

شركات أزياء عالمية تدعم شهر أكتوبر الوردي للتوعية بسرطان الثدي