قد تضطرّك الظروف للإستدانة من أجل الإنفاق على الأسرة، أو من أجل تزويج الأبناء، ولكن لن تستطيعي تسديد هذا الدين، فيتمّ الزج بك في السجن، مقابل الأموال القليلة. تلك هي قصة "الغارمات" اللاتي يدفعهن الفقر للإستدانة، من أجل سدّ حاجات أسرتهن، وينتهي بهن المطاف في السجن لسنوات عدّة.
وفي السطور التالية، قصص وحكايات للعديد من "الغارمات"، وتروي "الغارمة" السيدة أم أحمد قصتها، قائلة "تعرض زوجي لحادث أقعده عن العمل، ولم يعد يستطيع إعالة الأسرة، ولم يكن أمامي كثيرًا كي تتزوج ابنتي في الموعد المتفق عليه، سوى أن ألجأ إلى تجهيزها بالتقسيط، كما تفعل أغلب الأسر المصريّة، ولكن في ظلّ ظروف الحياة المعيشيّة التي نحياها الآن، والتي لا تستطيع فيها الأسر سوى سدّ حاجات يومها إن استطاعت، استمريت في تسديد الأقساط بمساعدة ابني الكبير، إلا أنه تمّ تجنيده في الجيش، وهو ما أثّر عليّ ماديًا، وأصبحت أواجه خطر السجن، بعد قيام صاحب الأجهزة، بإقامة دعوى قضائيّة ضدّي".
وفي ذات السياق، تحكي فتحية السيد، قائلة "بعد إصابة زوجي أصبحت المسؤولة عن تسيير أمور المنزل، والإنفاق على أولادي الخمسة، إلى جانب تدبير علاج زوجيّ الذي يعاني من فيروس "سي" وابنتي التي تحتاج إلى إجراء عملية جراحيّة لتركيب شرائح ومسامير في ساقها، وهو ما دفعني إلى الاقتراض من إحدى جيراني 500 جنيه لتكملة مصاريف العملية الجراحيّة، التي تصل تكلفتها إلى 12000 جنيه، على أن يتمّ تسدديها بواقع 5 جنيه في اليوم الواحد، إلا أنني فوجئت بقيامها برفع دعوى قضائيّة، تطالبني من خلالها بتسديد 3 آلاف جنيه، مستغلّة الإيصال الذي قمت بإمضائه على بياض، كضمان لها لتسديد المبلغ، وهو ما تسبب في إصدار حكم بحبسي، إلا أن إحدى الجمعيات الخيريّة تبرعت بتسديد المبلغ"، منهية حديثها بالقول "نفسي في ماكينة خياطة، تساعدني أصرف من خلالها على أولادي وزوجي".
ولم تكن عنايات محمد، أحسن حالا من غيرها، فلم تستطع تسديد أقساط الأجهزة الكهربائيّة التي اشترتها مع زوجها للمنزل، في ظلّ ضعف دخل زوجها الذي يحصل على يوميته من الزراعة، فحاولت مرارًا البحث عن فرصة عمل، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، وصدر حكمًا ضدها بالسجن، وقبل تنفيذ الحكم، قامت جمعية خيرية بتسديد ديونها، كما قامت بتوفير فرصة عمل لها في مصنع للسجاد اليدويّ، واستطاعت مساعدة زوجها في التغلب على ظروف المعيشة الصعبة.
وكذلك الحال، مع نفيسة أمين، مطلقة وتتولى رعاية والدها وابنها، وهي العائل الوحيد لهما، وعندما لم تستطع التكفل بتكاليف علاج والدها كافة، فقامت بالحصول على قرض، لتسديد تكاليف العلاج، إلا أنها لم تستطع تسديده، لعدم وجود عمل ودخل ثابت لها، فقامت مؤسسة خيريّة بتسديد مديونياتها، وتوفير فرصة عمل لها، وتقوم جاهدة بعملها، للوفاء بمصاريف والدها وابنها.
وفي هذا الإطار، تقول رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، الدكتورة نهاد أبو القمصان، أن مشكلة "الغارمات" في مصر لها أطراف وأبعاد كثيرة، مشيرة إلى أنها لا تعدّ مشكلة ماليّة، وإنما مشكلة أساسها الجهل بالقانون.
وتابعت "لا بدّ من توعية السيدات الفقيرات في الأحياء الشعبيّة بمخاطر التوقيع على إيصالات الأمانة، في التعاملات المدنية، مثل شراء الأجهزة المنزليّة، وهذه التوعية تأتي بمثابة الوقاية لكل سيدة من خطر السجن، بسبب مبالغ مالية صغيرة، بالإضافة إلى دعم السيدات الفقيرات وتمكينهن ماديًا، وإلزام الشركات الحكوميّة البيع لهنّ بالتقسيط كبديل عن بائعي القطاع الخاص، وبخاصة أن بعض السيدات يجدن في أخذ الأجهزة ومجرد التوقيع على إيصالات الأمانة شيئاً سهلا، ولا صعوبة فيه، وهي لا تعلم العواقب الوخيمة التي قد تكون وراء هذا التوقيع".