تشكل واحة "الحسينية" لوحة رائعة وأنت تنظر إليها من الأسفل فهي تبدو بقعة خضراء عالقة تعانق السماء بين فكي جبل أسود مهيب. وتمتزج فيها الألوان في تناغم ساحر.. سعف النخيل الأخضر، وعراجين البلح الحمراء والصفراء، زرقة السماء، وسواد الجبل الواقع ضمن سلسلة هضاب "تكانت" وسط موريتانيا.
ويشعر المسافر برغبة جامحة في الصعود إذا كان يزور الواحة – مثلي للمرة الأولى. ويصعد من قاع الواحة إلى قمتها لنحو ثلاث كيلومترات.. وتبتلعه "الفتحة" الجبلية الرائعة وهو يصعد بين ممرات ضيقة تفصل بين حدائق النخيل في مشقة، لكن بمتعة كبيرة. ويغوص به العجائز في حكايات أسطورية أسقطوها على نقوش على الصخر، تحكي عن غزوات للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه علي في الواحة الصحراوية الموريتانية الواقعة في أقصى الشمال الغربي الأفريقي.
ويأخذك العجوز بلال إلى النقوش، مشيرًا بيده إلى نتوءات على الصخر تشبه شكل جلد الخروف، تحيط به نقوش تشبه حوافر الخيل، ويقول في ثقة تامة: "هذا أثر فراش النبي محمد عليه الصلاة السلام"، وهذه آثار خيول اللذين غزوا معه" .
ويظهر على صخرة قريبة حز، يقول العجوز: "هذه آثار سيف عليّ كرم الله وجهه، وهذه آثار سبحته". ويشرح الرجل: " ضرب علي بسيفه هذه الصخرة ليرعب أحد الكفار بقوة السيف". ولـ"سيف علي" في الحكايات الأسطورية هنا آثار ما زال سكان الواحة يستفيدون منها هي الينبوع الجاري تحت النخيل في الوادي على الدوام، ويشكل مصدر مياه لا ينضب.
وتقول الأسطورة إن " جيش النبي أوشك على الهلاك عطشًا فأمر الرسول عليًا أن يضرب بسيفه "الصخر" الصخر فانفجر الماء زلالًا إلى اليوم". ويتفجر ماء الينبوع من تحت صخرة، ويروي ما لا يقع على طريقه من نخيل الواحة بطرق ري تقليدية تعتمد حفر أخاديد ضيقة توصل الماء إلى كل حديقة، وإضافة إلى الري تشرب المواشي والسكان أنفسهم، وهم ينقلون ما يشربون على ظهور الحمير.
وذكر بلال أن لماء الينبوع أيضًا استخدامات طبية فهو يشفي من أمراض منها "التليف الكبدي : " فهي عين مباركة، يفد إليها الناس من كل النواحي خصوصًا مرضى الكبد، وتشفي من يشربها بإذن الله من كل الأمراض". لكن العجوز حينما تسأله : هل سكان الواحة لا يمرضون؟ يرد عليك: " كل الناس يمرضون لكن هذه العين تشفي كل الأمراض".
ويخرج ماء الحسينية من الينبوع دافئا في الشتاء. ويقول السكان إنه في الصيف يكون باردًا. ويفسّر البعض ذلك بكونه يجري في فتحة بين جبلين يمر بينهما التيار، وتغطيه ظلال النخيل. ولا تقتصر "البركة" على الماء وحده، فتمْرُ الحسينية في عيون السكان "مبارك هو الآخر.. يقول محمد إنه "يشفي المرضى الذين يتوافدون إلى الواحة في موسم البلح".
ويجذب جمال الواحة السياح الأوربيين خصوصًا في موسمي الصيف والشتاء. غير أن ضعف التجهيزات السياحية والعزلة الناتجة عن عدم وجود طرق سالكة أمور تحد من دخلها السياحي.