يصعب على المرأة الموريتانية أن تبوح بحبها أو إعجابها للرجل نتيجة قيم وتقاليد المجتمع المحافظة والتي تركن إلى الحياء ورمزيته الدينية، فالغزل الصريح يدخل في إطار المحظور إلا أن سلطة المجتمع لم تمنع المرأة ضمنيا من البوح بمشاعرها فتركت لها نافذة على عالمها الخاص تبوح فيها بما تجود به القريحة والإبداع، ونتيجة لتلك العوامل برز أدب نسائي خجول يطلق عليه "التبراع" يعتمد على الإشارة والتلميح دون ذكر أسماء أو تفاصيل و تلجأ إليه الفتاة لتنشد في الخفاء بين مجالس النساء كلاما شعريا منظوما تعبر فيه عن مشاعرها وأشواقها بعيدا عن عين الرقيب.
ويشكّل أدب "التبراع" جزءا أساسيا من الثقافة الموريتانية والموروث الأدبي ويتميّز بالاقتضاب والبساطة مع الأسلوب البلاغي في المعنى والقصد، وقد يشمل "التبراع" التغزل على مكان أو موضع معين لدى المرأة فيه ذكريات جميلة و مكانة في القلب والوجدان، و"التبراع" الذي تجسّد كمتنفس تبوح به القريحة النسائية على مأذنة البوح الخاصة بها، كان يُراد منه أيضا أن يكون جسرا للتواصل مع المحبوب عبر النقل الشفوي والسماع
ومن أجمل وأطرف نماذج الغزل فتاة تغازل محبوبها دون ذكر اسمه معتمدة على حدسه في معرفة ما ترنو إليه : قائلة "حُبَّكْ ذا الطَّاري…ثابَتْ…رواه البخاري" ومعناه أن حبها الجديد لا رجعة فيه كأحاديث " الإمام البخاري"، وهو نوع من تناول الرموز الدينية في الأدب والغزل بطريقة بلاغية وراقية ، وأدب "التبراع" كان إبداعا نسائيا بامتيار يعبر عن العاطفة والإحساس بطريقة أنثوية تحيط به هالة من المشاعر المتمردة على المجتمع وقوانينه، واليوم أُخرج الجنس الشعري من السر إلى العلن في ظل وسائل التواصل التي باتت تتيح للمرأة الموريتانية خاصية " جاري الإرسال".