عجزت فاطمة بهلول التي بلغت الخمسين من عمرها تحمل الصدمة حين جاءت من السوق الذي ذهبت إليه لشراء بعض أغراض ابنتها التي تستعد لـ زفافها، فبمجرد اقتراب فاطمة من مشارف مزرعتها التي تسكن فيها هي وزوجها وابنتها وولدين لها، كان هنالك أهالي المزارع والقرى القريبة منهم مجتمعين وأدخنة الحريق تغطي المكان فسارعت إلى فلذات أكبادها تحاول الدخول إلى مزرعتها المشتعلة والناس حولها يمسكون بها كي لا تلحق بهم، لم يكونوا يومًا متطرفين حتى يحل بهم ما حل، سوى أنهم تخلوا عن الجزء الأكبر من مزرعتهم غصبًا عنهم ليتخذها جماعة الحوثي معقلًا لهم ومخازن لأسلحتهم وعتادهم، فأغار عليها الطيران بثلاثة صواريخ تتفرق في أركان المزرعة، ليذهب ضحيتها زوج فاطمة وأولادها
وباتت فاطمة التي كانت ملكة على أملاكها إلى متشردة تفترش الأرض وتلتحف السماء، و"تنشد بصوت مبحوح أين محمد وعمر وعروسهم الزهراء، إلى أين رحلوا وتركوني عارية"، لم يستوعب عقل الأم بأن ابنائها حُرقوا وتفحمت جثثهم ليكون بستانهم مقبرتهم ومثواهم الأخير، واقتربت منها لعلي استطيع أن أخذها معي إلى أحد المشافي لينقض ما تبقى من جسدها التي أهلكته الشمس والرياح على أطلال بستانها المفقود، أو لأخذها إلى أحد أقربائها، قالت لي بصوت هافت يجر معه دموع مغبرة، أنا لن أترك بيتي وسأنتظر أبنائي وأبوهم فهم ذهبوا لبيع محصول المانجو وسيعودون.
أستوقفني عبدالرحمن وهو أحد سكان قرية "التربة" التابعة لمديرية الضحى في محافظة الحديدة، الذي يسكن بالقرب من مزرعة فاطمة .فقال لي إنها على هذه الحالة منذ ما يقرب 70 يومًا، لم نستطع إقناعها أن تعود إلى قريتها، الكثير من القصص الانسانية والمؤلمة تقع كل يوم، ولم تحرك ضمائر السلطات المحلية أو الجهات المختصة. رغم المناشدات العديدة والمختلفة التي تُنشر في وسائل الإعلام المختلفة، بأن يرحموا النساء والأطفال ويتركوا البسطاء والفقراء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب الظالمة .