لم تبدو البريطانية سالي جونز وشريكها مختلفين عن الآباء والأمهات الجدد الذين ظهروا في صفحة العائلة في الجزء الخلفي من الصحيفة المحلية في نهاية عام 2004، حيث شوهدت جونز في مستشفى "مارتيم ميدواي" في جيلينغهام مع طفلها "جو" حديث الولادة، إلا أن هذه الصورة لتلك العائلة السعيدة كانت على ما يبدو علامة لبداية قصة مأساوية غير عادية، ويعد جو الطفل الأصغر للبريطانية المتحولة سالي جونز (47 عامًا) التابعة لـ"داعش" التي فرن إلى سورية عام 2013، وهو الطفل الذي أخذته معها في رحلتها المشؤومة، إلا أن الصورة المنشورة بعد ولادة الطفل تختلف تمامًا عن صورته التي ظهرت الأسبوع الماضي لطفل عمره 11 عامًا يرتدي زي "داعش" حاملاً بندقية موجهة إلى رأس سجين كردي راكعًا مستعدًا لإعدامه.
وتروي جريدة "ديلي ميل" قصة أخذ الطفل الذي كان من الأبرياء بعيدًا عن الحياة التي يعرفها في بريطانيا وتحويله إلى جلاد تابع لـ"داعش" بواسطة والدته الشريرة، كما تحدث الأصدقاء والأقارب بما في ذلك الجدة عن حزنهم المطلق لإنفصالهم عن جو عندما اختفى منذ ما يقرب من 3 أعوام، وصدمتهم عند اكتشاف ما أجبِر عليه وغسيل الدماغ الذي تعرض له، وكشف الأقارب كيف اتصل الصبي الصغير بهم من سورية لكنه مُنع من التحدث بحرية بسبب والدته التي كانت تقف بجانبه، وتحدثت العائلة والأصدقاء شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفًا مما قد تفعله جونز و"داعش" وخوفًا من أن يمتد الانتقام إلى الوطن من القوميين اليمينيين المتطرفين الذين يغذيهم الخوف من الإسلام.
وقالت الجدة وهي في مرحلة الستينات العمرية " شعرت بالإعياء في معدتي عندما شاهدت الصور الوحشية لجو وأربعة أولاد آخرين ويطلق كل منهم النار على سجين في مؤخرة الرأس"، وتؤكد العائلة أن جو هو الذي يظهر في الصورة على الرغم من أنه ليس لديهم وسيلة لإثبات ذلك، وتابعت الجدة " إذا كان هناك رب فلماذا لا يوقفهم؟"، ويعاني الأقارب لاستيعاب ما يفعله جو، وأخبروا الجيران والمعارف أنهم يأملون آلا يعود إلى المنزل لكنهم بشكل خاص يتوقون لعودة الصبي الصغير الذي أحب قراءة الموسوعات وعشق الحيوانات كثيرًا حتى أنه لم يدهس نملة من قبل، وأوضح صديق للعائلة متحدثًا لجريدة ديلي ميل " الأمر أسوأ من تكون في حالة حداد، إنهم يحبون جو ويفتقدونه لكنهم خائفون من القوى التي حولته إلى ما هو عليه، لقد فقدت الجدة حفيدها، وبينت أنها تعتقد أنه ليس في إمكانها فعل شيء لاستعادته مة أخرى وحتى لو عاد فإنه لم يعد الصبي نفسه عندما ذهب إلى هناك".
وتغيرت حياة جو منذ غادر كينت مع والدته إلى سورية، حيث كان لديه عقلاً متسائلاً وكان يلهو مع الحيوانات الأليفة والقطط التي تلعب مع كلبه "ديزي"، وبالفعل كان جو قريبًا من الحيوانات الأليفة أكثر من والدته، حتى أنه ألمح إلى جدته بشأن خوفه من أن تخطط والدته لإخراجه من البلاد، وذكر صديق العائلة " كان جو يواجه صعوبة في النوم، وكشفت جدته أن الشيء المقلق بالنسبة له هو أن والدته كانت تخطط لرحلة"، وأوضحت جونز أن جو ارتكب خطأ ما وأنهم سيذهبون إلى عطلة إلى تركيا، لكنهم في الواقع كانوا متجهين إلى الرقة في سورية بعد حديثها الحار مع زوجها الجهادي البريطاني الجديد "جنيد حسين" (19 عاماً) الذي يصغرها بـ 25 عامًا، وعندما وصلت جونز إلى هناك غيرت اسمها إلى "سكينة حسين"، وغيرت اسم جو إلى حمزة، وأجبِر جو على النداء لحسين "أبي"، وقُتل حسين ذاته بواسطة غارة أميركية منذ عام، وحينها أطلت جونز على نفسها " أم حسين البريطاني" وأصبحت شخصية سيئة السُمعة في حق بلدها، وتنشر الدعاية لصالح "داعش" عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما ظهرت صورها عبر الأنترنت مع بندقية "AK-47"، وبالطبع تحمل جونز مفتاح هذه القصة المثيرة وصور جو التي هزت العالم؟
وتعد سالي جونز الإبنة الوحيدة لبائع خضراوات تحول إلى سائق شاحنة آلان جونز وزوجته جاكي، بينما يدير الشقيق الأكبر لجونز أعمال في المقاطعات الرئيسية وليس من الغريب أن يرفض التحدث عن شقيقته، وكانت جونز لا تزال طفلة عمرها 10 أعوام عند طلاق والديها، حيث انتحر والدها بعد أخذ جرعة زائدة، وتزوجت والدتها من مدير شركة النقل، ونشأت جونز وشقيقها في جنوب شرق لندن ولاحقا في قرية في كينت، وبيّن من يعرفون العائلة أنهم كانوا عائلة متحابة، وتركت جونز المدرسة في عمر 16 عامًا وعملت في مجال التجميل، ونشأت باعتبارها كاثوليكية وكانت تحضر في مجموعات للشباب المسيحي المراهق في بلدها في عمر العشرين، لكنها أصبحت مهتمة بالموسيقى وبدأت في ارتداء التنانير الجلدية القصيرة مع الإفراط في شرب الخمر، ولعبت جونز الغيتار لفترة في فرقة فتيات تدعى "Krunc" والتي قدمت عروض في جميع أنحاء الجنوب الشرقي في التسعينات، إلا أن مسيرتها الفنية تعطلت عندما حملت بواسطة صديقها العامل جوناثان ويلكسون.
ووصف الأقارب الزوجين باسم " الأرواح الحرة" الذين أمضوا 9 أشهر سويًا في إحدى الخيام قبل أن ينفصلوا وينخرطوا في علاقات أخرى قبل أن يعود كل منهما للآخر، ولكن بعد عامين من ولادة ابنهما عام 1996 توفى ويلكنسون (29 عامًا) بسبب تليف الكبد، ودعمت والدة جونز التي توفت عام 2008 ابنتها طوال هذه الأعوام الصعبة، وأوضح الجيران كيف اعتادت جونز على زيارة والدتها وزوجها في حافلة، وقال أحد الجيران " اعتادت الوقوف في الخارج وزيارتهم في معظم العطلات الأسبوعية وكانت تتعاطى المخدرات"، وانتقلت جونز بعد وفاة شريكها إلى منزل من غرفتي نوم في كينت لكنها غالبًا ما كانت تترك ابنها مع والدتها وزوج والدتها، وأوضح أحد الجيران " لقد تولوا مسؤولية جو من عمر 10 أعوام، واعتنوا به جيدًا حتى المرحلة الثانوية، وأحيانًا كان يذهب ويمكث مع سالي"، وأفاد الأقارب أن علاقة سالي بوالد جو كانت قصيرة موضحين أنها عانت من اكتئاب ما بعد الولادة وأفرطت في تناول الخمر.
ورسم الجيران في المنطقة التي عاشت فيها جونز صورة غير مستقرة لامرأة مضطربة مديونة يزورها لامحضرون باستمرار وتجار المخدرات المحليين، وأشار الجيران إلى أن جونز كانت تتفخار بقدرتها على السحر الأسود، وأضاف أحدهم " كانت شاذة للغاية، ولم تكن لغتها جيدة وكانت صاخبة للغاية، لقد كانت امرأة تعاني من مشاكل"، وكانت جونز إمرأة عزباء لطفلين وتعيش على الإعانات، وبالتالي كانت بائسة للهروب من الواقع المرير لحياتها ناهيك عن مدينيها، وكانت تمضي ساعات يوميًا على الإنترنت، وتركت جونز مجموعة من المشاركات والرسائل القديمة والتغريدات التي أعطت لمحة عن حياة رائعة سابقًا تختلف مع العقيدة الإسلامية التي تتبعها جونز حاليًا، وفي ظل هوسها بفيلم " أفاتار" كانت جونز تختبئ وراء شخصيات مختلفة على العديد من المواقع حيث أشارت إلى نفسهاعلى احد المواقع باسم "Skya, Kentish" ، وزعمت أنها شقيقة شخصية أخرى من شخصياتها وسُئلت "هل أنت الأخت الرشيدة أم الشريرة"، وأجابت "الشريرة".
ويصعب تخيل شكل الحياة التي نشأ عليها جو مع مثل هذه الأم، وأوضح أقارب جونز أن جو كان يتصل بهم ما بين عمر 14-15 عامًا ودعاهم للقدوم والانضمام إليهم، وأضاف الأقارب "كنا نذهب ونصطحبه معنا وكان يأتي لزيارتنا لأسابيع، وكان يأتي أحيانا للباب ويخبرنا أن والدته ليست بخير وأنها تلازم الفراش، ولم نكن نراها على الإطلاق"، ودفعت الفوضى ونمط حياة جونز بها في النهاية إلى موقع تواعد عبر الأنترنت حيث التقت حسين جنيد وهو نجل سيدة عشاء في مدرسة برمنغهام، وخالف حسين القانون بالفعل بعد اختراق حساب البريد الإلكتروني للمستشار السابق لتوني بلير والحصول على عناوين سرية وأرقام هواتف، وفي جلسة استماع في محكمة التاج في ساوثوارك في عام 2012 اعترف المتهم وكان عمره حينها 18 عامًا بكونه مذنب لإجرائه مكالمة هاتفية مزعجة للخط الساخن لمكافحة التطرف، وبعد اتهامه بالاضطراب العنيف أسقط حسين الكفالة وفر إلى سورية عام 2013، وخططت جونز على الفور للانضمام إليه، ثم أخبرت أقاربها لاحقا أنها وقعت في الحب مع مراهق.
وأضاف أحد أقاربها " كانت شغوفة بالبحث عن الشخص المناسب، وكانت دائمًا تريد أن تكون جزء من الدين الإسلامي مثل الرجل الذي أحبته، وأرادت اعتناق عقيدته لكنها لم تقل شيء عن التطرف أو شيء من هذا القبيل، لقد أرادت مخرجًا للذهاب إلى مكان أفضل، ويعلم الله وحده ما أظهروه لها عن سورية، لكنها اعتقدت أنها ستكون سعيدة هناك وستحصل على حياة أفضل"، وذكر جار أخر " على الأرجح هي عبدة لدى شخص ما الأن، لم تكن تحب القيام بالأعمال المنزلية والطبخ قبل الذهاب، ولكن لماذا ذهبت إلى هناك؟ لا أحد يعلم".
وأخذت جونز ابنها إلى تركيا خلال عطلة المدارس عام 2013، وسافروا من هناك إلى إدلب في شمال غرب سورية حيث التقت حسين، ووصلوا الرقة بعد 7 أشهر، وفي هذه الأثناء ذهب ابنها الأكبر الذي كان عمره 18 عامًا للعيش مع أقارب والده بعد أن رفض السفر للخارج مع والدته، وعلم أجداد جو أن هناك شيء خاطيء عندما لم يعد ووالدته من العطلة، ولم يمض وقت طويل حتى اتصلت مدرسة جو الابتدائية لمعرفة مكان وجوده، لكن العائلة أوضحت أنهم لم يسمعوا شيء عنه من الشرطة أو الخدمات الاجتماعية، وفي العام الماضي لم يمض وقت طويل بعد وصوله إلى الرقة حتى اتصل جو بجدته قائلاً "مرحبًا جدتي"، وأخبرها أن والده جلب له مدربين من السوق المحلي وأن لديه الكثير من الأصدقاء الذين يلعب معهم".
وبيّن صديق العائلة " أردنا أن نسأله عن مكانه لكننا أدركنا تحذير الصبي من قبل والدته في الخلفية، وربما تطلع الصبي للحصول على إذن لإجابة أسئلة جدته إلا أننا سمعنا صوت سالي تقول له:لا ، عن الكثير من الأسئلة،"، وكانت هذه أخر مرة تواصلت فيها العائلة مع جو، وانتقلت جونز بعد وفاة زوجها إلى الرقة ومنها إلى الموصل في العراق هربًا من تقدم القوات الكردية والحكومية، ونشرت جونز صورة لها في مايو/ أيار مرتدية البرقع الأسود بجانب نهر دجلة على ما يبدو مع تعليق " أستمتع بصيف جميل مع ابني"، وفي بريطانيا تم إخلاء منزل كينت الذي بدأ فيه جو حياته بواسطة مجلس كينت.
وأوضح العائلة أنه لم يسمح لهم بجمع أمتعة جونز أو متعلقات جو وألعابه، وأضاف صديق العائلة " تفتقده جدته كثيرًا، لا زال في الجزء الخلفي من عقلها، إنها في قلق مستمر ولا تعرف أين هو وما إذا كان على ما يرام"، وعلى الرغم من الصور المروعة التي شاهدتها العائلة لجو إلا أنهم لم يديروا ظهورهم للصبي البرئ أزرق العينين الذي أحبوه دون شروط، وذكر صديق العائلة "لا زالوا يحبونه، ولا زال لديهم صوره، ويعتقدون أنهم ربما يلتقونه كرجل بالغ يوما ما"، ولكن هل يجب أن يأتي هذا اليوم بعد أن أصبح الصبي الحفيد الذي يعرفونه غير موجود، لقد ذهب الصبي بعيدًا بسبب شر والدته ومجموعات "داعش".