رُزق عباس في 31 مارس/ آذار عام 2016، والذي يبلغ من العمر 50 عامًا، بمولوده أحمد، بحث له عن مكان يُجري فيه عملية ختان (طهارة)، فإذا بأحد جيرانه يخبره بتقنيه جديدة للختان بدون ألم، تجريها إحدى عيادات الجراحة والتجميل الشهيرة في المرج، ذهب الأب مسرعًا، لكنه لم يكن يعلم أن طفله سيفقد عضوه الذكري ويعيش مُعذبًا طوال حياته.
أحمد كان ضحية تقنية جديدة ظهرت مؤخرًا، في عيادات ومراكز الجراحة والتجميل، تستخدم "الليزر" لإتمام الختان، لكن سرعان ما أصبح لها ضحايا من الأطفال لاسيما الذكور، بعدما يصاب الطفل عقب إجراء العملية بإعياء يصل في معظم الأحيان إلى حد بتر عضوه الذكري.
"أحمد" يفقد عضوه الذكري
عم "عباس" لديه ثلاثة فتيات وطفلين، الأول 6 أعوام، والثاني "أحمد" عمره يقرب من عامين، أخذه والداه إلى إحدى العيادات الخاصة في المرج، بعدما أخبرههما أحد الجيران أن العيادة تجرى عمليات ختان دون بنج أو جراحة باستخدام الليزر.
دفع الأب 500 جنيهًا وقتها، نظير استخدام تلك التقنية، حتى لا يشعر ابنه بأي آلام، بخاصة بعدما علم أن الطفل يعاني من فقر في الدم منذ ولادته، وبالفعل تمت العملية بدون بنج كُلي، جزئي فقط، وتم الختان من خلال جهاز يمرره الطبيب على الجزء المراد بتره فيسطع منه ضوء يؤثر على ذلك الجزء فيقتطع ثم الكي الحراري -بحسب وصف الأب-.
ويتابع الأب"العملية مخدتش عشر دقايق"، وخدته وروحنا البيت، لكنه كان بيصرخ جامد، وجسمه كله أحمر وظهرت حبوب على وشه، لكن الدكتور قالي أنها آثار جانبية طبيعية للعملية، وإداني مرهم وأدوية شرب مسكنة".
ويستطرد: مرت ثلاثة أيام، ولازال الإحمرار كما هو، وتورم عضوه الذكري، كما إن عملية الإخراج لم تتم بشكلها الطبيعي حتى انتفخت مثانته، "الوضع كان يسوء، فأخذته وذهبنا إلى الطبيب الذي أخبرني أن هذه آثار طبيعية، وقام بعمل تفريغ للمثانة له ".
لم يتغير الوضع بعد مرور 4 أيام أخرى بل إزداد سوءً، وفق ما يصف "عباس"، موضحًا أن طفله أصيب بغرغرينا في عضوه الذكري، وبدأ ينزل منه صديد، وانتشرت الحبوب في تلك المنطقة، ما اضطره إلى إجراء عملية بتر كلي لعضو الطفل، حتى لا تنتشر الغرغرينا في باقي أعضاؤه "ابني بقى مش راجل وهو لسه صغير بسبب الليزر، ووقتها الدكاترة اللي عالجوه قالوا أن مصر مفيهاش أجهزة مخصصة للعملية دي والتقنية الحديثة".
وحرر الأب محضرًا في قسم الشرطة ضد الطبيب يحمل رقم 20379 جنح قسم الخانكة،لم يسفر سوى عن إغلاق العيادة.
"18% من عمليات الختان لا تتم على يد أطباء"
وفق منظمة الصحة العالمية، فأن عملية الطهارة (الخِتان)، هي عملية إزالة (قلفة) العضو الذكري -أنسجة تغطي قضيب الذكر- فور ولادة الطفل، وتتم من يوم ولادته حتى مرور أسبوع، وكلما تأخرت زادت خطورتها وصعوبتها على الطفل.
وتؤكد في تعريفها للختان، بإنه عادة ما يتم على أيدي قابلات أو دايات لاسيما في البلدان العربية، وتذكر أن نسبة إتمام العملية على أيدي مقدمي الرعاية الصحية (أطباء جراحيين) تصل إلى 18%، مشددة على ضرورة أن يتم ختان الذكور على يد أشخاص مؤهلين طبيًا وضمان شروط التعقيم والوقاية من الأمراض والسلامة العامة.
وتوضح أن ختان الذكور له فوائد عدة ويساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية، احتمال سرطان القضيب، احتمال انتقال الأمراض الجنسية، احتمال انتقال فيروس "أتش آي في" أو المعروف بالإيدز.
والدة أمجد تؤكد تآكل عضوابنها الذكري أمام عينها
استجابت رضوي لأغراء الختان بالليرز وذلك عبر إعلانات تناثرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ولم تدرك أنها ستجني على طفلها الوحيد بقية حياته.
تقطن رضوى في إمبابة، وفور ولادتها لطفلها أمجد في مطلع عام 2017، قامت له بعملية ختان عبر الليرز بإحدى عيادات التجميل رأت إعلانها على "فيس بوك" ، مضيفة: "الدكتور كان تخصصه جراحة وتجميل مسالك بولية، وعملها من غير جراحة وحطله بنج كلي، وخلصها في ربع ساعة".
ولاحظت بعد أن عادت إلى منزلها، تغييرات تطرأ على عضو طفلها كالإحمرار وظهور ألوان تشبه الصديد إلى جانب إرتفاع درجة حرارته "مكنش بيبطل عياط طول اليوم، أخوه الكبير محصلوش كدة، لأن ختانه كان عادي بمشرط".
عادت مرة أخرى إلى الطبيب، فكتب لها مراهم وأدوية مُسكنة، مُعللًا ما يحدث بأن الطفل لديه حساسية شديدة من الجرح، "الولد متحسنش، وبدأت أحس زي ما يكون عضوه الذكري بيتآكل ، والأدوية كانت بتجيب نتيجة عكسية ".
زارت الأم ثلاثة أطباء آخرين تستجديهم لإنقاذ طفلها، لكن الغريب وفق وصفهاـ أن الأطباء لم يكونوا يعرفون تلك التقنية من الختان بالليزر:"قالوا إنهم أول مرة يسمعوا عنها، والكل كان بيكتب أدوية، لكن الولد متحسنش".
تضيف "اضطرينا لعملية قطع العضو الذكري تمامًا، بعد تساقط أجزاء منه، وحبس البول مدة طويلة في مثانة ابني، وخد علاجات عشان ينمو تاني وعمليات تجميل، لكن إلى الآن شكله غير طبيعي".
الأسعار تبدأ من 300 إلى 1000 جنيهًا
يتم استخدام تلك التقنية لاجراء عمليات الختان في عيادات ومراكز جراحة شهيرة، أغلبها يقع في نطاق المناطق التي تُوصف بالراقية،وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر جولة مسجلة داخل 5 عيادات في محافظتي القاهرة والجيزة، يستخدم فيها أطباء الجراحة تلك التقنية، والتي وصفوها بأنها آمنة وتفاوتت أسعارها من عيادة لأخرى ,أحد أشهر مراكز التجميل في منطقة الدقي، يمتلك فرعين أخرين،الأول في أكتوبر، والثاني في المنيل بمنطقة مصر القديمة، يُجري جميع أنواع عمليات الختان سواء الجراحية أو باستخدام الليزر أو الكي الحراري .
وأكد أحد مسؤولي المركز أن العملية تتكلف 1000 جنيهًا , وعند سؤاله عن الفرق بين الليرز والجراحة قال "الليزر عبارة عن ضوء حراري بيتمرر على الجزء أو الجلد الذي سيتم الاستغناء عنهى ، فبيتم قطعه، من غير ألم أو جراحة وخياطة للطفل ومن غير دم".
"بنحطله بنج موضعي، عكس الجراحة بتحتاج بنج كلي"، مسؤول المركز وصف القطع الذي يحدث بالبسيط، مشيرًا إلى أن الليزر الحديث جعل الأطباء في غنى عن الجراحة .
وتجري عيادة أخرى في منطقة المقطم، عملية الختان بالليزر بـ 350 جنيهًا، وأكدت الممرضة تعمل بها أن الليزر لا يكون به جراحة، ويلتأم الجرح سريعًا، ويتعامل الطفل بعدها مباشرة بشكل طبيعي .
ولم يختلف الأمر في ثلاثة عيادات آخرى، أسعارها 700، 420، 500 جنيهًا، وأكد المسئولين عنها أن العملية تتم بالكي الحراري وأنها أفضل من الجراحة، ولا توجد خياطة أو جروح بها، بمجرد ما يمرر الطبيب الضوء على ذلك الجزء يُقتطع بدون ألم أو بكاء متواصل من الطفل كما هو معتاد، ويصبح بعدها شكل العضو كما هو.
كان الضررالذى لحق بالطفل "حازم" أخف كما تروى والدته ندى البالغة من العمر 28 عامًا، حين ذهبت لختانه في إحدى العيادات في منطقة مصر الجديدة، تقول:"كنت من البداية خايفة، عشان ناس كتير قالت أن الليزر وحش وبيسبب أمراض وتلوثات للطفل".
ما سمعته "ندى" عن تقنيه الختان بالليزر صدق بالفعل، فلم يصرخ ابنها ولم يستمر كثيرًا في غرفة الجراحة، تضيف: "بعد العملية كان نايم وهادىء، لكن أول ما صحي بدأ يصرخ بشكل هستيري لدرجة أن عروقه كانت بارزة من جسمه، والسخونية زادت "
ووجدت "ندى" حول العملية في اليوم التالي ما يُشبه الحروق وفق وصفها، ووصلت درجة الحرارة إلى حد غير معقول، وحين ذهبت إلى طبيب آخر قال لها "الليرز ساعات بيجيب نوع من الحروق والصديد لأنه كي حراري، وده اللي حصل لابنك ولازم تدخل جراحي".
و تؤكد ندى أنها لم يكن لديها حل آخر سوى قطع الجزء الذي حدث فيه التلوث، حتى لا ينتشر التلوث في باقي العضو ويتم بتره .
استشاري أطفال يؤكد أنه لا يوجد ختان بالليزر
يقول الدكتور راجي فوده، استشاري الأطفال والولادة، أن مصر لا يوجد بها تقنية الختان بالليزر، موضحًا أن الجراحة تحتاج أجهزة يقدر ثمنها بالملايين، وبالتالي ليست موجودة في العيادات الخاصة، أن الأجهزة الموجودة في مصر تقليد .
"يستخدمون فقط أجهزة تعمل بالكهرباء والكي الحراري، مؤكدًا أن الجلد يتم قطعه بالكي الحراري بديلًا عن استعمال المشرط، وبالطبع له مضاعفات كالحرق وقطع أجزاء غير دقيقة وتلوث.
ويوضح أن باقي العملية تتم بالطريقة التقليدية، لكن الأطباء يضيفون كلمة ليزر للعملية حتى يتربحون من ورائها في عملية لا تستغرق سوى 15 دقيقة.
وتابع "الدول الأوروبية كانت تستخدم جهاز الختان بالليزر قديمًا ولكن تم منعه بسبب الأخطاء المتكررة، إلى جانب خطورة الكي الحراري على الأطفال ما يصيبهم بتلوث وحروق".
دراسة تؤكد أن الليزر تقنية خطيرة تستخدم في أوروبا
نشر مركز "جراحة الأطفال الدولية" في أمييكا،1925، دراسة عن الختان بالليزر، خلصت إلى أنها تقنية تستخدم أجهزة حديثة موجودة في أمريكا وبعض بلدان أوروبا، مشيرة إلى أنها تحتاج إلى مهارة عالية كي لا تحدث مضاعفات للطفل.
وأوضحت الدراسة أن العملية تتم بدون جراحة أو ألم حال اجرائها بالجهاز المناسب على يد أطباء مهرة، ولكن في نفس الوقت تزيد فيها خطورة إصابة العضو التناسلي للطفل بحروق أو تلوث، بسبب استخدام الكي الحراري.