أكد القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي أن المتغيرات التي شهدتها بنية المجتمع السوري نتيجة الحرب والأزمات الأمنية والمالية طالت جميع الفئات والأعمار وتعددت من خلالها القصص والروايات، حيث أفصح المعراوي عن بعض أبرز القضايا التي عرضت على المحكمة، ومنها الحلقة الأضعف التي فقدت براءتها وحرمتها الأزمة أدنى حقوقها، حيث طلب طفل لم يتجاوز 12 عاما من عمره تعيين وصية شرعية عليه من أجل تقديم شكوى بحق صاحب المقهى الذي يعمل فيه لمحاولته التحرش به، ولما سألته عن والده أجاب بأنه قُتل في بدية الأحداث وتزوجت أمه من رجل لم يتحمل وجوده معه فطرده من البيت فاضطر للعمل في مقهى والنوم فيه.
وفيما يتعلق بصعوبة تلبية المتطلبات الأساسية للمعيشة تحدث المعراوي عن حضور فتاة في الرابعة عشر من عمرها إلى المحكمة الشرعية لطلب الإذن بالسفر بمفردها إلى خالها الموجود في لبنان بعد أن قُتل والدها بالقذائف الصاروخية، ورفض عمها الوحيد استقبالها في بيته .ولم يكن الأمر بعيدا عن زوجة الفقيد التي تقدمت بشكوى إلى المحكمة الشرعية ضد عمها _والد زوجها_ الذي طردها من بيته مع أولادها بعد أن حصّل حصة أولادها القاصرين من التعويضات المخصصة لذوي الشهداء، وهنا أشار المعراوي إلى ورود العديد من القصص المشابهة إلى المحكمة الشرعية، التي تكلف زوجة الشهيد بتقديم دعوى لإسقاط ولاية الجد، وتعيينها وصية شرعية على أولادها حرصا على ضمان حقوقها هي وأولادها .
لكن يبقى اللافت في الأمر أولئك الطاعنين في السن الذين حملوا على كاهلهم المتعب ضراوة الحرب عبئاً مضافاً إلى تقدم العمر، فقد كشف المعراوي عن رفع امرأة عجوز دعوى نفقة على أولادها، وأحدهم دكتور في الجامعة وكانت لا تملك ثمن الطوابع فاتصلت بأحد المحامين فحضر وساعدها في تقديم الدعوى ودفع رسومها من جيبه الخاص .أما المحزن هو بكاء رجل طاعن في السن وطلبه من المحكمة الشرعية أن يتبرأ من أولاده الثلاث بعد لجوئه إليهم ورفضهم إيواءه في منزلهم، الذي كان قد ساعدهم في شرائه وتهجيره من منزله في مخيم اليرموك بعد أن توفيت زوجته .
إلى ذلك فقد عزا القاضي الشرعي التردي الأخلاقي في المجتمع خلال سنوات الأزمة على صعيد العلاقات الشخصية والعائلية والاجتماعية إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أدت لمزيد من التفكك الاجتماعي عن طريق ازدياد حالات الانغلاق على النفس وابتعاد أفراد الأسرة عن بعضهم، وأردف المعراوي كمثال على حديثه "أثناء محاولتي الإصلاح بين الزوجين أصر الزوج على الطلاق ولما سألته عن السبب أجابني بأنه اكتشف بالصدفة أن زوجته تصادق أكثر من 100 رجل على هاتفها الجوال، وتتبادل معهم العشق والغرام فضلاً عن الصور الفاضحة، وأقرّت الزوجة بذلك دون أدنى خجل، وكأن الأمر بات عادياً ومألوفاً".