يرى مصمم الأزياء التونسي سفيان بن قمرة، أنّ الأزياء التونسية المستوحاة من التراث شهدت تطورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، في محاولة لجعل الملابس التقليدية مواكبة للعصر ومتطلبات الاستعمال اليومي، والملاحظ أن الهدف من هذه التحديثات إثراء الحاضر عبر استلهام الماضي، الأمر الذي تسهم فيه الكثير من المواهب الشابة العاملة في قطاع الصناعات التقليدية، بكل أشكالها.
ومشاركتها السنوية في مسابقة "الخمسة الذهبية" هي عبارة عن تظاهرة تحتفل بيوم الصناعات التقليدية واللباس الوطني في منتصف شهر مارس/آذار من كل عام. وغالبًا تنطلق استعدادات الطاقات الشابة المبتكرة للتصاميم الحديثة المستمدة من اللباس التقليدي التونسي مع نهاية كل دورة، إذ أن العملية تتطلب أبحاثًا متنوعة ومضنية بهدف طرح المميز لكل جهة.
وأضاف المصمم ابن قمرة، أنه كلما تم المزج الذكي بين اللباس التراثي وبين اللمسات المعاصرة التي تزيد من الإقبال على اللباس التقليدي، كانت النتائج جيدة، وتتويجًا لمجهودات المشاركين في هذه المسابقة. ويلتقي في هذه المناسبة المصممون الشباب مع متخصصين لهم باع طويلة في الصناعات اليدوية والحرفية، من خلال ابتكارات موجهة إلى النساء والرجال على حد السواء، في محاولة لاستمالة الفئات التونسية المختلفة نحو اللباس التقليدي التونسي، الذي عرف فترات صعبة خلال العقود الماضية، ما هدد باندثار الكثير من أشكاله.
وساهم سفيان بن قمرة في التعريف باللباس التقليدي التونسي في العالم العربي على غرار "البُرنس" التونسي، و"الجِبة" و"الشاشية" (القبعة)، و"الملية" المنتشرة بين نساء الشمال التونسي، و"الحِرام" الذي تقبل عليه نساء الوسط والجنوب، كذلك "السفساري"، الذي ينتشر بين نساء المناطق الحضرية.
وقال سفيان، في هذا الخصوص، إنه اكتسح الخليج العربي وتحديدًا الإمارات من خلال ابتكاره لعبايات خليجية بلمسة تونسية، حيث أضاف للعباية السوداء زينة فضية و"خمسة" و"قرن غزلان " وهي خاصية تتميز بها الملابس التقليدية التونسية..وشارك بالعباية في مهرجانات عديدة خاصة بالموضة وتمكن من اقتلاع جوائز..كما شارك أيضًا في العيد الوطني في الإمارات..
وكشف أن الفنان حسين الجسمي لبس من تصميمه، كما وضع لمساته التونسية على مظهر المغنيات أريام وعريب وشما حمدان"، إذ ارتدين أزياء طاردة للحسد في فيديو كليب " أوبريت الاتحاد" من إخراج نهلة الفهد. وأسعده اتصال المخرجة نهلة الفهد به، وطلبها أن يشرف على مظهر الفنانات المشاركات في "أوبريت الاتحاد"، وقد وجد أنها أفضل فرصة لتعريف فنانات الخليج بالزي التونسي الذي سيزيدهن أناقة وتميزًا، لا سيما وأنه صنع ابتكاراته يدويًا من القماش ذي الألياف الطبيعية واستخدم خيوط الحرير في عملية التطريز، وتجنب استخدام حبات "الاستراس" البراقة، لأنه يفضّل أن يكون مظهر المرأة بسيطًا وفخمًا في الوقت ذاته.
وذكر مصمم الأزياء التونسي، أنّ المغنية الشابة شما حمدان ارتدت عباءة تحمل ربع كيلو فضة مطلية بالذهب، وقد فازت هذه العباءة بلقب "أحسن ابتكار خليجي عربي "، كما أضاف إليها "قرن الغزال" لطرد الحسد، أما المغنية أريام، فقد ارتدت أجمل الإكسسوارات التي صممها على الإطلاق، وهي عبارة عن قلادة وخاتم على شكل سمكة فضية مطعمة بالأحجار الكريمة التي من شأنها حماية من ترتديها أيضًا من عيون الناس والحسد، وبالنسبة للمغنية عريب، فقد اختارت قفطانًا تونسيًا مطرزًا بالحرير، وأوضح أن الجبة التونسية تشبه إلى حد كبير العباية الخليجية..كما شارك في افتتاح مهرجانات عربية كبرى على غرار مهرجان سحر هواش في الكويت.
وتابع "من بين العوامل التي ساهمت في منافسة الأزياء التونسية المصممة بروح عصرية نظيرتها العالمية، هو ما تقوم به الهيئات السياحية والمبادرات الشبابية؛ كجميعة أحباء تونس والدول العربية التي أسسها سفيان بن قمرة، إلى جانب ابتكارات المصممين الشباب التي طعّمت الأزياء التراثية بنكهة عصرية تواكب تطلعات الشباب على مختلف ثقافاتهم".
وأكّد سفيان بن قمرة، أنّ التراث التونسي لطالما استأثر باهتمام كبير من كبار مصممي الأزياء في العالم، حيث إنه كثيرًا ما شوهد "بيار كاردان" و"ايف لا كوست" وغيرهما من المشاهير يزورون مدنًا تونسية للاطلاع على أنواع الأزياء المحلية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، وللاقتباس منها في تصميم الأزياء الصيفية والشتوية الجديدة.
ويتركز اهتمام مصممي الأزياء الأوروبيين على الأزياء النسائية، نظرًا لعدم وجود تنوع كبير في الأزياء الرجالية التونسية، حيث تخضع كلها تقريبًا لنمط واحد.
ولفت المصمم سفيان أن الزي التراثي الرجالي في تونس يتألف من القميص والسراويل والجبة، أما الزي التراثي التونسي النسائي فيتألف من قطعتين تغطيان كامل جسم المرأة، ويميل التونسيون إلى اللون الأبيض في لباسهم، علمًا بأنهم يستخدمون أيضًا الألوان الأخرى؛ كالعسلي والأحمر والخمري والبني، لكنهم لا يحبون اللون الأسود مطلقًا.
وبيّن سفير اللباس التونسي التقليدي، أنّ الملابس التونسية تمزج بين التطريز اليدوي المتقن والجيوب والمتممات التي غالباً نلاحظها على مستوى أكمام الجبة والبرنس و"الملية"، وبين ما يشتهيه الشباب التونسي من ألوان وأشكال تبتعد قليلًا عن الملابس التقليدية العادية، التي غالبًا تكون فضفاضة، لتصبح متناسقة مع الأجساد، ومتماشية مع أشكال الموضة العصرية.
لُقب مصمم الأزياء التونسي سفيان بن قمرة بـ "سفير اللباس التقليدي التونسي" وجاءت بداية التحاقه بعالم التصميم والموضة، مصادفة عام 1989، وذلك خلال عمله مضيفًا جويًا في الخطوط الجوية السعودية..حيث لبى وقتها دعوة عشاء وحفل تنكري في إحدى الدول الخليجية، بحضور إعلاميين وسياسيين وفنانين من جميع الدول العربية والأجنبية.
وظهر أمام الحضور وهو يرتدي اللباس التقليدي المكون من "الجبة" و"الشاشية" و"البلغة"، وقد حاز على إعجاب الحضور، وتم اختياره كأفضل لباس في تلك الأمسية. ومنذ ذلك الوقت، قرر أن يكون لباسه المميز في كل المناسبات العامة الذي يجعله يبدو مميزًا عن الآخرين، ومن جهة أخرى هي رسالة متألقة؛ فحواها الحب والعرفان لبلده وحضارته العربية وتراثها العريق.
وعلق سفيان بشأن هذا الموضوع قائلًا إنه سعى إلى التواصل مع وزارة السياحة والديوان الوطني للصناعات التقليدية كمتطوع؛ للتعريف بجماليات اللباس التقليدي، حيث تحمل جميع المنشورات الخاصة في ديوان الصناعات وتتضمن صورًا شخصية له، وهو يرتدي مختلف تصاميم هذه الأزياء، والتي - من جهته - استغلها أثناء أسفاره إلى الدول العربية والأجنبية لترويج السياحة في تونس. كما أسس أثناء عمله في الخطوط الجوية السعودية "جمعية أحباء تونس"، والتي توسعت لتشمل الدول العربية أيضًا.