نفذ قسم الإنتاج في الدار العراقية للأزياء في وزارة الثقافة، تصاميم مستوحاة من حضارة وادي الرافدين. وذكر معاون قسم الإنتاج المصمم سيف العبيدي، أن التصاميم تجسّدت في أزياء عكست الوجه المشرق للموروث الحضاري والثقافي، مؤكدًا أن العمل جاري لتنفيذ تصاميم الثور المجنّح برؤية معاصرة مستنبطة من وحي الصور التاريخية الآشورية، وتصميم الأختام الذي جمع بين آلهة الشمس وآلهة الماء، موضحًا أن التصاميم يتم تنفيذها بأنامل مبدعي القسم من خلال استخدام التطريز الآلي واليدوي الذي يبرز معالم الزي بأسلوب متميّز ومهارة عالية.
وذكرت المصممة باسمة فاضل، أنّ ما يميز الأزياء رمزيتها العالية لخصوصية الألوان المستخدمة واختيار الخامات والأقمشة بما يناسب الحقبة الزمنية والتاريخية لتعطي الأزياء البُعد التاريخي المطلوب. وتنتج دار الأزياء العراقية، تحفًا فنية "لا تقدر بثمن"، على الرغم من أنهم يتسلمون الميزانية الأقل من وزارة الثقافة، مشيرة إلى أن رواتب عارضاتها لا تتجاوز 500 ألف دينار. وتقيم عروضًا مهمة في النمسا والصين ودول أجنبية كثيرة، مبينة أن خبراءها يعجزون عن تشغيل الأجهزة المتطورة التي في الدار، لأنهم لم يدخلوا دورات احترافية.
وذكر المصمم والنحات في دار الأزياء سعد الربيعي، أن "العمل في دار الأزياء العراقية في تقدم مستمر، رغم ضعف التركيز الحكومي على هذا القطاع المهم، ومن أبرز مهامه نقل صورة عن تاريخ وحضارة وفولكلور بلدنا إلى خارج الحدود"..مشيرًا إلى أن "لدار الأزياء حضورًا متميزًا في محافل دولية مهمة، ولكن عروضنا ونشاطاتنا في الداخل محدودة جدا، ولا تقارن بمشاركاتنا الخارجية التي نقدم من خلالها تصاميم برؤى حداثية، عن واقع العراق عبر التاريخ".
وعلل الربيعي قلة العروض الداخلية، بـ "قلة المناسبات التي من يمكن استغلالها لتقديم عروضنا التي تتطلب تحضيرات استثنائية ودقيقة، وتحتاج الى مناخات بعيدة عن الاضطرابات الأمنية والسياسية، فما نقدمه في النهاية عبارة عن عروض فرح واستقرار".
وأضاف أن "مجتمعنا حاليا لا يستوعب فكرة حضور عرض للأزياء التاريخية أو الفولكلورية، وذلك لخصوصيات دينية في بعض الأحيان، وعليه فإن عروضنا عادة ما تقام في كردستان العراق، وإن أقيمت في بغداد فتكون في فندق الرشيد، أما عروضنا في الخارج فكثيرة، وقدمنا عروضا عراقية مهمة في النمسا والصين والجزائر ودبي وعمان سوريا وبيروت وغيرها من الدول، وشاركنا في مهرجانات دولية مهمة وحصلنا على جوائز مهمة".
وقدمت الدار "على مدى 38 عاما 195 عرضًا محليًا و14 مهرجانًا دوليًا، وشاركت في أكثر من 80 عرضًا دوليًا، في مختلف أنحاء العالم".
وأوضح المصمم سعد الربيعي، آليات اختيار عارضات الأزياء، قائلًا إن الاختيار يتم "وفق مواصفات معينة، من حيث الطول والرشاقة والملامح العراقية المميزة، لأن عروضنا ليست عصرية وإنما تراثية تاريخية شعبية من جذور العراق، وكل فستان يتم تصميمه هو عبارة عن موضوع يخص جانبا من أرض هذا الوطن ويحكي قصة من قصصنا، ولذلك هناك فساتين تحتاج إلى طول معين؛ كالزي الهاشمي والسومري، فلا بد من اختيار عارضات لديهن ملامح تنتمي الى هذه الجذور العريقة، وهناك مدرب للعارضات مهمته اختيار الأنسب منهن، لكل عرض مزمع".
ولفت النحات والمصمم في دار الأزياء، إلى أن "عارضاتنا في تغير مستمر، ولا مكان لعارضة ليست بعمر الشباب، لكن رواتب عارضاتنا لاتتجاوز الـ 500 الف دينار، ولدينا عارضات يعملن بنظام الملاك الدائم وأخريات يعملن بنظام العقود وهن الأغلبية، ومع أن الرواتب قليلة جدا إلا أن اعتمادهن يكون على ما يحصلن عليه من مخصصات خلال مشاركاتهن الخارجية، ولذلك لا يعتبرن الراتب شيئا أساسيا، وبقناعتي هو غير مجز بالمرة".
ويشكو الربيعي من "نقص الخبرات، لأن خبراء دار الازياء لم يتغيروا منذ ثمانينيات القرن الماضي، ورغم خبراتهم المتراكمة والطويلة، إلا ان من الواجب رفد الدار بخبرات شبابية تخضع لدورات مكثفة، لمواكبة حداثة الموضة، والاستفادة منها في رسم روح الماضي من جديد، عبر أزيائنا".
ويواصل القول "مطرزونا وخياطونا ومصممونا لم يدخلوا أي دورات تدريبية منذ زمن طويل وهذا مؤلم، والمشكلة الأكبر هو تجهيز دار الازياء بمكائن خياطة وتطريز متطورة جدا وتعمل بالحاسب الآلي، ولكن مصممينا وخياطينا يعجزون عن إدارتها، وهم معذورون لأنهم لم يتدربوا على التقنيات الجديدة، ويجب زجهم في دورات تخصصية احترافية، ومغادرة أساليب العمل القديمة التي لا نزال مستمرين عليها، ولو بقيت الحال على ما هي عليه، فنحن أمام قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة".
ويمضي الربيعي بالقول، عن موازنة الدار، إن "معلوماتي تشير إلى أننا نستلم التخصيصات المالية الأقل من وزارة الثقافة، وهي لا تسد متطلبات العمل الذي نضطلع به، ويكفي أن نفقات المشاركات في المعارض الخارجية يتم احتسابها من ضمن الموازنة التشغيلية لوزارتنا، وهذه التكاليف وحدها كفيلة بالقضاء على آخر درهم في خزينة دار الأزياء".
وبيّن "نحن نتحدث عن تذاكر طيران وإقامات في الفنادق وشراء أقمشة معينة، وهدايا تقدم من قبل الوفود الى الدول المضيفة للمهرجان، وحتى الان لم تقدم دراسة مالية تنصف دار الأزياء، وعلى طول السنوات هناك خلل في موازنتنا، حتى أننا نضطر في بعض الأوقات الى الاعتذار عن المشاركة في محافل ثقافية مهمة، لعدم قدرة الدار على سداد تكاليف المشاركة في هذا الحدث، وحصل أن امتنعنا قبل شهر تقريبا عن المشاركة في مهرجان ثقافي في إحدى الدول الاوربية، لهذا السبب".
وكشف عن الخامات والمواد والأقمشة التي يستخدمونها في الدار، أن "أغلبها تستورد من الخارج، بحسب مواصفات فنية دقيقة نطلبها خصيصا ووفق نوعيات خيوط معينة، وحتى الإكسوارات والحلي والأزياء العربية والكردية والآشورية تأتي موادها الأولية من الخارج، والصين مصدرنا الرئيسي تليها سوريا، ويتم تجميع المواد في الدار لخياطتها وفق تصاميمنا، بمعنى أن عمامة جدنا أنكيدو خيوطها صينية".
وأكد إمكانية أن تتوسع ميزانية الدار عبر بيع منتجاتها، أن "الأزياء التي ننتجها لا تعرض للبيع، ومهمتنا أن نكون واجهة ثقافية للعراق، ونتسلم في كل مشاركة عشرات الطلبات لشراء الأزياء التي نعرضها، ولكننا نرفض لأن الفستان الذي ننتجه هو عبارة عن قطعة فنية لا تقدر بثمن، وتصلح لأن تقدم كهدايا لرؤساء الدول، للرمزية العالية التي يعبر عنها كل سنتيمتر منها، فمنها السومري والأكدي والآشوري والبابلي والبغدادي وغيرها".
وختم الربيعي بالتعبير عن أمله في "التركيز على دار الأزياء، وإيلائه أهمية قصوى لأنه واجهة ثقافية غاية في الأهمية وتعريفية بتاريخ هذا البلد وثقافاته وتراثه وفولكلوره، وكل هذه المقومات مهمة في الوقت الحاضر، وأزياء البلد هي قصته الكاملة التي لا تحتاج الى تعليق"، متمنيا أن "يتم دعم فكرة إقامة المهرجانات المحلية والعروض، ولاسيما لتلاميذ وطلبة المدارس والكليات، لتعريفهم بحضارة بلدهم وإحياء روح الاسلاف في داخلهم، سعيا إلى مستقبل مشرق للثقافة العراقية".
يذكرأن دار الأزياء العراقية تأسست عام 1970، وهي إحدى تشكيلات وزارة الثقافة، ولها عدد من الأقسام هي التصميم والخياطة والمرسم والتطريز والنحت والسيراميك والصيانة والحاسبة والانترنت، واقساما خدمية منها قسم الشؤون الادارية والحسابات والتدقيق والتخطيط والمتابعة كالعلاقات الثقافية والتوثيق الإعلامي والاكسسوار المرافق للعروض وأخيرا قسم عروض الأزياء.