يأتي اليوم الأخير في مهرجان كان السينمائي، هذا العام، بشكل يختلف عن معظم دورات السابقة، حيث لم يحدث في أن يحل اليوم النهائي ويبدأ ترقب ما ستعلنه لجنة التحكيم في الحفلة الختامية (مساء الأحد)، من دون أن يكون ثمة بضعة أفلام تميّزت في المسابقة الرسمية ويتوقع فوزها بإحدى الجوائز القليلة التي يمنحها المهرجان عادة، وصولاً طبعًا إلى “السعفة الذهبية” التي تعتبر عادة أسمى المكافآت السينمائية في العالم.
وحتى كتابة هذه السطور، وإذ لم يبق علينا إلّا أن نشاهد فيلمًا واحدًا أخيرًا من أفلام المسابقة هو “أنت لم تكن أبداً هنا” للين رامزي، ولا يبدو التكهن أمرًا مريحًا لمن يحاوله، إلا في حالات ضئيلة عبّرنا عن إحداها في رسالة الأمس وهي التي تتعلق بأفضل ممثلة، حيث بدا متميّزًا حقاً أداء الألمانية ديان كروغر في “نحو التلاشي” والروسية فازيلينا ماكوفتسيفا في “امرأة عذبة”.
ومهما يكن من أمر، إذا كان علينا هنا أن نطلق العنان لتخميناتنا التي تنبني عادة على جملة من معطيات نحاول أن نقيم شيئًا من التوازن بينها، فإننا سنعتبر كلاً من هذين الفيلمين مرشحًا لواحدة من الجوائز الثماني الأساسية، بدء كما أشرنا، من جائزة أفضل ممثلة، ولكن، هناك أيضًا جائزة أفضل سيناريو التي قد يفوز بها فاتح آكين عن “نحو التلاشي” إن لم يلفت أداء ديان كروغر نظر المحكمين، وعلى رأسهم بيدرو المودوفار المخرج الإسباني الذي عُرف دائما بغرابة أطواره السينمائية على الأقل، ما يرجّح كفة أن يدفع في اللحظات الأخيرة إلى منصة السعفة عملاً لا يتوقعه أحد، أما بالنسبة إلينا، فإن هذه السعفة يمكن أن تتأرجح بين الفيلم الروسي “دون حب” والفيلم السويدي “المربع”، وفي الحالة الثانية قد يعتبر الفوز “ثأرًا” لفيلم “طوني إردمان” الألماني الذي ينتمي في شكل ما إلى عوالم “المربع” نفسها، وشكّل عدم فوزه بأي جائزة، نوعًا من فضيحة صغيرة في العام الفائت.
وفي هذا السياق أيضًا، قد يدافع المودوفار عن فيلم “120 ضربة في الدقيقة”، على الأقل لجائزة لجنة التحكيم الكبرى، وفي مجال جائزة أفضل إخراج، فقد تكون من نصيب صوفيا كوبولا التي يرى البعض أن الوقت قد حان لتفوز في كان، خصوصًا أنها جرؤت هنا، في تحقيق فيلمها المتباري “المخدوعات”، على إعادة إنتاج لفيلم سبق أن حققه دون سيغل، في نوع من تحدٍّ نادر، ولكن، في هذا السياق أيضًا، نوا برومباخ وفيلمه “حكايات نيميروفيتش” الذي قد يعني نيله جائزة الإخراج - أو السيناريو - مكافأة للسينما المستقلة الأميركية.
في المقابل، يتطلع النقاد الفرنسيون إلى عدم الخروج من مولد الجوائز بلا حمّص، وهم إذا كانوا يأملون بما هو “أهمّ” من جائزة التمثيل الرجالي التي قد تذهب إلى فنسان لندون عن دوره في “رودان”، فإن هذه الجائزة ذاتها لن تكون مستحقة، وفي التمثيل الرجالي، لن يكون من غير العادل أن تذهب الجائزة إلى الكوري هايهيو كوون عن دوره المميز في فيلم “اليوم التالي” لهونغ سانغسو الذي لن يفاجئنا فوزه بجائزة لجنة التحكيم الخاصة متنافساً في هذا، مثلاً، مع “أوقات طيبة” للنيويوركيين المستقلين الأخوين صفدية.
كل ماسبق ليس إلا من قبيل التكهنات وربما التفضيلات أو الأمنيات الخاصة، وكالعادة قد لا تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر. أما الكلام الفصل فسيكون مساء اليوم حيث، ومن بعد أن نكون شاهدنا فيلم لين رامزي، قد تكون ثمة تعديلات، إذ إن الذين يعرفون شيئًا عن هذا الفيلم يتوقعون له، منذ الآن، أن يكون متميزًا تميّز الأفلام السابقة لهذه المبدعة التي تعرف دائماً كيف تفاجئ.