مرثية مطولة للحرب قدمتها المسرحية اللبنانية “تفل قهوة” التي افتتحت عروضها على مسرح القباني حيث تروي هذه التجربة عبر أسلوب المونودراما حكاية امرأة تعيش عزلتها في بيتها المحاصر بالرصاص زمن الحرب الأهلية اللبنانية مستعرضة عبر استعادة ذكرياتها مع حبها الأول كل مشاهد القتل والدمار والاغتصاب والسرقة.
التجربة التي كتبها هيثم الطفيلي وأخرجها للمسرح هشام زين الدين اعتمدت على أداء الممثلة مروة قرعوني التي بدت في هذا العمل أكثر ميلاً إلى استخدام طبقات حادة من الصوت بمصاحبة رقصات ولفها كل من كاتب ومخرج العرض مع الأحداث المؤءلمة التي تمر فيها الشخصية مقتصدين في قطع الديكور التي اقتصرت هنا على نافذتين وطاولتين وكرسيين وساعات حائط معلقة وأثواب عرس سترقص معها قرعوني في مشهد قارب حلم الشخصية بالسلام والحب والانعتاق من واقع الحرب ومآلاتها على الإنسان البسيط العادي.
وجنح “تفل قهوة” إلى اللعب على الألفاظ والمفردات مستعيناً بإضاءة بسام حميدي الذي ترك المجال مفتوحاً على حركة حرة للممثلة اللبنانية التي امتازت بجرأتها وأدائها العفوي محاولة الانسجام مع النص المكتوب والميزانسين “التشكيل الحركي” المرسوم لها من قبل مخرج العرض ليكون الجمهور على موعد مع مونودراما لبنانية أسقطت واقع الشخصية وتمزقها على واقع الحرب اللبنانية وضحاياها دون الركون إلى منطق أمراء هذه الحرب ومنطقهم في التعامل مع محيطهم الاجتماعي.
كما حاولت قرعوني بكل طاقتها التعبير عن مشاعر المرأة وفقدانها للأمن والاطمئنان بعد خسارتها للحب وانغماسها أكثر فأكثر في جراحات الحرب وما تخلفه من كوارث مادية ومعنوية تطال البشر قبل الحجر ولهذا عمل العرض على إيجاد مساحة من البوح لطالما وفرتها عروض الممثل الواحد أو “المان وان شو” بحيث تميز النص بنبشه عن المسكوت عنه ومحاولة هدمه والتعويل على بنائه خارج النظم التقليدية البالية التي قضت على مئات النساء نتيجة سيادتها عليهن في مجتمعات ما زالت تشرعن جرائم الشرف.
واستند العرض إلى روي مستمر يستعيد فيه كل من كاتب ومخرج العرض وبطلته المونودراما كشكل للتعبير عن أهوال راكمتها ظروف متعددة على أكثر من مستوى سواء عبر يوميات الحرب أو حتى دخول الإرهاب إلى سورية وبعده وذلك من خلال التأكيد على قدسية الحياة في وجه ثقافة الموت التي تموه مقولاتها المستترة بالدين دون أن تعثر على معادل اجتماعي لها على الخشبة.
يذكر أن عرض تفل قهوة تقيمه وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا يستمر حتى العشرين من الشهر الجاري على مسرح القباني والدعوة عامة.