دراسات وبحوث كثيرة أشارت بوضوح الى الضغوط اليومية التي يعانيها الفرد في المجتمعات المعاصرة. وهذا الأمر لا يقتصر على مجتمع دون آخر، فالعولمة التي زرعت التشابه والتماثل في جهات الأرض الأربع، وزّعت وبعدالة نادرة الضغط والقلق والكآبة في المدن الكبرى في الشرق كما في الغرب، وفي الشمال كما في الجنوب.
بالطبع، استدعت هذه الظاهرة المعولمة الكثير من الجهد والتفكير لمواجهتها، وبالتالي الحدّ من تأثيراتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وهكذا تبدّت هذه الجهود والأفكار في مستويات وميادين عدة، فاستنفرت قطاعات المساحات الحضرية ومهندسي الحدائق والمناظر الطبيعية، وكذلك بُذلت جهود كثيرة في مجال العمارة والديكور، وبالطبع في الأنشطة الإنسانية الأخرى، كل ذلك من أجل تأمين بيئة ملائمة توفر الأجواء الصحية والنفسية والعملية والجمالية.
ما يهمّنا هنا هو مساهمة الديكور في هذه العملية التي تستحوذ على الكثير من تفكير المهتمين في هذا المجال، فالمسألة تتعلق براحة الفرد وتأمين كل السبل لرفاهيته وخلق أجواء تنتشله من دوائر الضغوط والإرهاق اليومي، وتجدّد أفكاره وتمدّه بحيوية نفسية تعينه على تجاوز المعوقات. وعندما نقول “الديزاين”، فإن ذلك يعني بالتأكيد الألوان والأشكال والأحجام، بكل ما لهذه العناصر من خصائص وتعريفات وتأثيرات ليس على المكان وفضائه فحسب، بل على الإنسان وطبائعه أيضاً. ومن أجل ذلك، يتجه مصمّمو الأثاث والأكسسوارات المنزلية الى البحث عن أفكار لمبتكرات جديدة تركّز أكثر فأكثر على هذه العناصر وتوظّفها بطرق مختلفة من أجل تحقيق نتائج باهرة.
وتظهر نتائج هذه الجهود عاماً بعد عام، في المعارض والصالونات الدولية، فتجذب الكثير من الرواد وتثير إعجابهم.
بالطبع، إن هذه المبتكرات التي تخرج عن المألوف، تحتفظ بخصائص كثيرة مألوفة، فهي مثلاً تخضع لنظام القيم الجمالية والوظيفية للداخل، ولا تبتعد عن المواد المألوفة في مجال صناعة الأثاث والأكسسوارات، ولكنها من ناحية ثانية تقدّم أشكالاً تتراوح بين الطرافة والغرابة، مما يجعل من حضورها في فضاءات المنزل عامل تغيير وتجديد بطريقة لافتة.
وعندما نتحدث عن الأشكال والأحجام والمواد، فإن ذلك لا يعني تحييد الألوان، بل على العكس، إذ تلعب الألوان دور البطولة في كثير من هذه المبتكرات... ويأتي استخدام الألوان بأساليب وطرق مغايرة لما هو شائع. فنحن هنا أمام “لوحة” ألوان فيها من الجرأة ما يلامس حدود الصدمة، وفيها من الهدوء ما يجاور مناخات التأمّل. بل إن الألوان هنا تقول أشياء كثيرة من دون أن تسمع “صوتها” الصارخ حيناً والصامت أحياناً أخرى. ولعل ما يثير أكثر في هذه الألوان أنها غامضة ليس في نصوعها أو خفوتها، بل في استحالة إعطائها أسماءها المتداولة، فالأصفر هو أصفر ولكن غير اللون الذي يحمل هذا الاسم، وكذلك الأخضر والأزرق والأحمر رغم حضورها الخجول. كل الألوان تقول ما تريد، وكل من يراها يفهم ما تقول. ربما من هنا تبدأ عملية التواصل الحقيقية بين هذه المبتكرات وبين أصحابها ومستخدميها، فهي بمقدار طرافتها الظاهرة تبدو رصينة في خطوطها الرئيسة، ناعمة في صوغ تفاصيلها... وهي بمقدار غرابتها تبدو أليفة من خلال ما توفره من راحة ورفاهية.
حين نقول الأثاث، نعني كل ما تحتاجه فضاءات المنزل من ضروريات وكماليات وأكسسوارات...نعني الكنبات والكراسي والطاولات والأسرّة والخزائن والمقاعد، وبالطبع عناصر الإضاءة وكل العناصر الضرورية من أجل رفاهية مؤكدة وراحة مضمونة.
وإذا كان الهدف الأول لهذه المبتكرات هو توفير أثاث طريف وغريب للمنازل والشقق، إلا أن الراحة والدفء والرفاهية تبقى الهدف النهائي، هذا فضلاً عما تضيفه إلى المساحات الداخلية من لمسات جمالية لا يمكن تجاهلها.
قد يهمك أيضا:
مهندس ديكور يوضح أهمية الإضاءة على نفسية ومزاج المتلقي
أفكار عصرية لإحداث ثورة في الديكورات الكلاسيكية منها المنحوتات