يعد "التوحُّد" على سبيل المثال من بين الأمراض التي لا يعرف كثيرون عنها، إلا في حالة إصابة قريب لهم به، وسمعت الكثير عن التوحُّد من أصدقاء يتعاملون مع التوحد بوعي ويتفهمون وضع أطفالهم، ويتكيفون مع المرض عن طريق تثقيف أنفسهم وتقديم الأفضل لهم.
وأول ما يجب أن نعرفه عن التوحد هو أهمية الروتين والتكرارية لدى المصابين بالتوحد، ومنذ أن ضرب وباء «كورونا» العالم، وأنا أفكر بالمصابين بالتوحد وهم محجورون في البيوت بعيداً عن مدارسهم وأصدقائهم ومعلميهم، وشعرت بأنه من الضروري تسليط الضوء على هذا الموضوع لأنه مهم، وإهماله قد يؤدي إلى الاكتئاب والتوتر.
وللاستطلاع على سبل وحلول الحجر المنزلي لدى المصابين بالتوحد، اتصلت «الشرق الأوسط» بالدكتورة ميراي نعمة الاختصاصية النفسية والمتخصصة في مرض التوحد في المملكة المتحدة التي استهلّت حديثها بشرح سريع للتوحد الذي وصفته بأنه من أنواع الاضطرابات في النمو التي تكشف عن نفسها من خلال التواصل والتفاعل الاجتماعي، وعبر الاهتمامات المقيدة أو المتكررة. وهو في واقع الأمر عبارة عن مجال واسع للغاية، حيث يعاني فيه بعض الأفراد من صعوبات بالغة في التعلُّم، في حين أن بعض الأفراد الآخرين، وغالباً ما يُشار إلى حالتهم بتشخيصها بمرض «متلازمة أسبرجر» (هي إحدى اضطرابات طيف التوحد)، يستطيعون التعبير عن أنفسهم، ورغم ذلك ربما يواجهون قدراً من التحديات الاجتماعية في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
فيستند تعريف مرض التوحد في «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية» من الفئة الخامسة إلى خمسة معايير رئيسية: العجز المستمر في التواصل والتفاعل الاجتماعي، السلوكيات أو الاهتمامات المقيدة و/ أو المتكررة، الأعراض التي تظهر في المعتاد في سن مبكرة، لا يمكن تفسيره بصورة أفضل بأنه إعاقة ذهنية، الأعراض التي تتسبب في الإعاقة/ العجز الإكلينيكي في البيئات الاجتماعية مثل العمل أو المدرسة.
تقول الدكتورة نعمة إن الأطفال المصابين بالتوحد يختلفون للغاية عن غيرهم. قد يواجه بعضهم تحديات تواكب التغييرات الطارئة على الجدول اليومي المعتاد، وهناك أطفال آخرون يمكن تلقينهم المزيد من المرونة في التواصل والتفاعل، وربما تنمو لدى بعض الأطفال احتياجات طبية معينة أو ذات صلة بصعوبات التعلم مع قدر من هذه التحديات.
وتختلف الاستجابة إلى حالة الإغلاق الراهنة لدى كل طفل مصاب بمرض التوحد تماماً كما تكون مختلفة لدى أي طفل طبيعي غير مصاب بالأعراض ذاتها. وبالنسبة إلى بعض الأطفال، يمكن مساعدتهم بالاستعانة بالجداول الزمنية المرئية، والإرشادات والتوجيهات، وغير ذلك من الجهود. وعلاوة على ما تقدَّم، فإن فكرة أن الأطفال المصابين بالتوحد ليسوا دائماً ودودين أو يستجيبون للمسات ليست هي الحالة على الدوام؛ فإنه يمكن طمأنة أو إراحة الأطفال المصابين بالتوحد بالطريقة ذاتها التي تطمئن أو تريح العديد من الأطفال الآخرين سواهم. وقد يتفهم الأطفال، ممن طوروا نوعاً من القدرات عند نهاية طيف التوحد، ما إذا كانوا كباراً بدرجة كافية تسمح لهم بتفهم الحالة المرضية التي يعانون منها، مما يتيح لهم قدراً من الأمان، بالاعتماد على الوالدين أيضاً إذا جرى إعدادهما وترتيب الأمور معهما من حيث كيفية التعامل مع الأطفال.
وتابعت الدكتورة نعمة بأن الأطفال المصابين بالتوحُّد لهم اهتماماتهم الخاصة. وربما تكون (أو لا تكون) لهذه الاهتمامات المقْدِرة على الاستمرار داخل المنزل؛ فبعض الأطفال يفضل اللعب بالقطارات أو المكعبات، وهذه من الألعاب التي يمكن ممارستها داخل المنزل. ويفضل بعض الأطفال الآخرين الشعور الحسي بالتأرجح والانطلاق، وهذا من الأمور الأكثر صعوبة خلال حالة الإغلاق الراهنة.
وحسب رأي دكتورة نعمة، فالقصص الاجتماعية، والروايات المرئية، والعلاج باستخدام الموسيقى، والأنشطة المائية تكون مفيدة. وتابعت: أشجّع الوالدين على السماح للأطفال المصابين بالتوحُّد بالتفاعل المستمر مع الأصدقاء عبر تطبيقات «زووم»، أو «تيمز»، لا سيما مع ازدياد شعورهم بالضيق والسأم لطول فترة الوجود في المنزل أثناء الإغلاق.
وتندرج دراسة مرض التوحد تحت مجال العلوم المعروفة بعلم النفس. غير أن ذلك لا يعني أنه يمكن زيارة أي اختصاصي في العلاج النفسي أو في صعوبات التخاطب والحديث إليه عن طفل مصاب بالتوحد، حيث إن مرض التوحُّد «النمائي» (أي التوحُّد المرتبط بالنمو) هو مجال محدد من مجالات الدراسة العلمية. وعلاوة على ذلك، فإن التدخلات التعليمية ذات الصلة بمرض التوحد تندرج في واقع الأمر تحت فئة المناهج السلوكية. كما أن تشخيص «اضطرابات طيف التوحد» يحتاج في المعتاد إلى طبيب الأطفال المتخصص في علاج مرض التوحد أو الطبيب النفسي المدرَّب على التعامل مع حالات التوحد.
يمكن للطفل المصاب بالتوحد أن يبوح على الفور ما إذا كان يشعر بالاستياء من عدمه، نظراً لأنه لا يعرف كيف يُخفي مشاعره عن الآخرين، وذلك إما من خلال نوبة شديدة من نوبات الغضب الواضحة، أو الضرب، أو العض، أو الصراخ، أو أي وسيلة أخرى يعرب بها عن إحساسه بالغضب.
وتشتمل التدخلات على «العلاج بالكلام واللغة»، أو العلاج الوظيفي، أو العلاج الطبيعي، أو العلاج باللعب، أو العلاج بالنظام الغذائي، وهي على رأس قائمة مطولة من المناهج السلوكية المعتمدة في علاج مرض التوحد.
وتقول الدكتورة نعمة: «في تقديري الشخصي لمرض التوحد، أنه في حين وجود احتياجات معينة، فإن الأمر يتعلق في بعض الأحيان بمعاونة الآباء على كيفية التأقلم والتعامل. فمن المعروف أن تمكين الآباء وموفري الرعاية يُعدّ جزءاً كبيراً من الإجابة عن التساؤل السابق عند التعامل مع الأطفال المصابين بالتوحد لديهم؛ إذ إن وجود طفل مصاب بـ(اضطرابات طيف التوحد) يزيد من الأعباء التي تثقل كاهل الوالدين، أو أحدهما، في محاولته المستمرة للتربية السليمة، مع المقدرة على مواكبة التدخلات الصحية والتعليمية المتنوعة. وهم دائماً ما يكونون على تواصل مستمر مع مجموعة واسعة من المختصين المحترفين لمتابعة الأمر».
وعن العلامات الدالّة على أن الطفل المصاب بالتوحد يعاني شكلاً من أشكال الاكتئاب بسبب حالة الإغلاق الراهنة ترد الدكتورة نعمة: «إذا كان الطفل المصاب بالتوحد قادراً على التعبير الشفهي عن نفسه، فإنه يمكنه الإعراب عن مشاعره، وربما يمكنه القول إنه يشعر بالحزن. وتكون الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى الطفل المصاب بالتوحُّد وغير القادر على التعبير الشفهي، ورغم إمكانية الاستعانة ببعض نظم التواصل المعززة، مثل (نظام التواصل بالصور المتبادلة)، أو نظام Proloquo2Go(وهو نظام للتواصل قائم على استخدام الحاسوب)، أو نظام (ماكاتون)، أو غير ذلك من النظم».
قد يهمك ايضا:
تسجيل 49 إصابة جديدة بفيروس كورونا فى سنغافورة والإجمالى 1049 حالة