هل تشعر بأنك لا تملك الكفاءة التي يظن الآخر بأنك تملكها؟ هل هناك خوف دائم من قيام أحدهم بكشف زيفك؟ إن كنت تشعر كذلك فلا بأس لست وحدك؛ فالغالبية الساحقة تختبر هذا الشعور. فوفق الدراسات ٢ من أصل ٥ أشخاص في أي بيئة عمل يشعرون بأنهم مخادعون ومحتالون. هذا الشعور ورغم كونه وهميًا إلا أنه بات يملك تسميته الخاصة وبالتالي تم تسليط الضوء عليه من أجل محاولة فهمه بشكل أكبر. أنت، كما الغالبية، تعاني من متلازمة المحتال أو الدجال.
السيناريو الأول.. سامر “المحتال” حصل على ترقية
سامر، يعمل في شركة منذ سنوات وقد تقدم في عمله لأنه مخلص ويعمل بجدية، ثم قررت الشركة ترقيته ليصبح مديرًا. للغرابة وعوض أن يشعر بالفرح لكونه حصل على اعتراف بجهوده قاوم قرار الشركة لدرجة انها أرسلت من يحاول إقناعه بشغل ذلك المنصب. المشكلة مع سامر ليست أنه لم يكن يريد منصب المدير، بل هو يريده بكل قواه، ولكنه كان في سره يخشى أنه حين يصبح مديرًا فإن الشركة ستكتشف أنه ليس على ذلك القدر من الكفاءة.
اقرأ ايضا:
دراسة تحذر من مخاطر العمل لساعات طويلة
إن كنت تشعر مثل سامر فلا بأس لأن هذا الموظف الذي أصبح مديرًا بعد أن واجه مخاوفه هو عينة من الملايين الذين يختبرون المشاعر نفسها. وإن كنت تظن بأن “عامة الشعب” هي فقط من تختبر هذا الشعور فأنت مخطئ تمامًا.
الممثلة البريطانية كيت وينسلت تحدثت عن مخاوفها هذه علنًا وكشفت بأنها كل صباح كانت تعاني من خوف كبير قبل الذهاب إلى التصوير؛ لأنها كانت تؤمن بأنهم سيكتشفون بأنها ممثلة محتالة.
متلازمة المحتال هي شعور غير منطقي بأن الشخص مزيف في ما يقوم به، وقد ظهر التعبير هذا للمرة الأولى عام ١٩٧٨ مع بولين كلانس وسوزان إيمز في دراسة نفسية حاولت رصد مشاعر الزيف التي يختبرها البشر في مرحلة ما في حياتهم.
في حال عدنا إلى حالة سامر فإن متلازمة المحتال كشفت عن نفسها من خلال إما خوفه من النجاح أو خوفه من الفشل. أما في حالة كيت وينسلت فإن هذه المتلازمة أظهرت نفسها من خلال الحاجة الماسة للمثالية بحكم أنه معروف عنها بأنها تضع أهمية كبرى على الأداء المثالي. وفي كلتي الحالتين قد يكون هناك عدم القدرة على تقبل المديح والثناء على الإنجازات.
المشكلة مع متلازمة المحتال هي أن الشخص الذي يعاني منها غالبًا لا يعرف ما الذي يشعر به فهو يؤمن ما بأن ما يختبره حقيقي وواقعي وبالتالي هو بالفعل لا يملك الكفاءة وبأن كل ما حصل في حياته المهنية حتى الآن هو مجرد حظ وعاجلًا أم آجلا هذا الحظ سينفد.
إذاَ هي حالة فردية، ما يعني أن الشخص يتعامل معها على صعيد شخصي، فإما يواجه المخاوف ويسير قدمًا في حياته أو يعيش مع ذلك الشعور بالزيف طوال حياته. ولكن هناك سيناريو آخر يفرض نفسه وهو يغذي متلازمة المحتال بشكل كبير.
السيناريو الثاني.. سامر “المحتال” حصل على ترقية في بيئة عمل سامة
متلازمة المحتال تتغذى على الشكوك الذاتية لسامر، ولكن وخلافًا للسيناريو الآول فسامر هنا يعمل في بيئة عمل سامة. هنا شكوكه الشخصية تتغذى على تجربة جماعية من ثقافة عمل سامة، ومشاعر قلة الكفاءة التي يختبرها أصبحت في أعلى مستوياتها. سامر وبحوافزه الداخلية من أجل المثالية والتوقع الدائم للانتقاد يقلل من قيمة قدراته في سعيه للتقدم من أجل تفادي الفشل والتعرض للانتقاد. هو في هذا السيناريو لن يقبل الترقية وفي حال وافق عليها فهو على الأرجح سيستقيل بعد فترة أو سيتم طرده؛ وذلك لأن السيناريو الاول يفتقد للعناصر التي سنتحدث عنها تاليًا والتي ستكون “وقود” الوحش الذي يتغذى على مخاوفه تلك.
زواج سيئ: البيئة السامة تقلل من قيمة الإنسان والإنسانية في مكان العمل، وتروج للمنافسة وتركز على الربح والتطور بينما في الوقت عينه تقلل الموارد. التنمر شائع جدًا في بيئة كهذه، والإدارة هي الحاضر الغائب حين يتعلق الأمر بهذه الجزئية. القيام بالمهام يصبح أشبه بالأعمال الشاقة بينما المحفزات تختفي، والنقد والتقييم وغير الموضوعي يمنعنان التفكير الإبداعي، وعليه لا يشعر الشخص بالمكافآت الجوهرية للعمل مثل المساحة للتعبير عن الموهبة الفردية والتفكير الإبداعي.
الزواج السيئ بين متلازمة المحتال وبيئة العمل السامة تتغذى على حاجة الإنسان الأساسية بالشعور بالأمان وبالانتماء. وهذا الزواج السيئ يتدخل في القدرة المنطقية على اتخاذ القرارات وبالتالي الكل يتأثر، الموظف والمدير؛ لأن هذا الزواج السيئ لن ينتهي بالطلاق بل سيستمر.
العصا والجزرة: رغم أن التكنولوجيا بدلت طبيعة مكان العمل، ولكن المؤسسات بشكل عام لا تزال تعتمد سياسة العصا والجزرة، ولكن تحت مسميات رنانة معاصرة. الموظف يتم دفعه من خلال المحفزات المالية والمناصب عن طريق تمديد العمل لساعات إضافية وتجاوز الحدود. بيئة العمل السامة ترغم الموظف على القفز في هذه الحلقة المفرغة في سعي خلف نجاح وتطور وسعادة صعبة المنال.
المنافسة غير الصحية: في بيئات العمل السامة المنافسة شرسة وغير نظيفة وهي تؤدي إلى التوتر والاكتئاب والتقليل من قيمة الذات. ثم يأتي الشق المالي الذي له تأثيره الكبير في بيئة تحول فيها الفوز إلى المعتاد، رغم أنه من المستحيل أن يفوز الشخص في كل مرة. العوامل المجتمعة أعلاه تؤدي إلى هوس بالمثالية ما يؤدي إلى الـ”مايكرومانجمنت” أو الإدارة التفصيلية. وما يحصل لاحقًا هو أن المنافسة غير الصحية تصبح أولوية على حساب التعاون. والشخص الذي يعاني من متلازمة المحتال سيفشل في تفويض المهام؛ وذلك لأنه يخاف من عدم إنجاز الاخرين الأعمال وفق معاييره، وهو ما سيرتد عليه سلبًا وبالتالي يتعرض للنقد أو يفشل في المنافسة، وهنا يقوم يتولى المزيد من المهام.
انعدام التوازن بين المجهود والمكافأة يضاعف مشاعر انعدام الكفاءة، ويزيد من الانتقاد السلبي في حلقة مفرغة منهكة لكل الأطراف.
قد يهمك أيضا:
الموظفون الذين يعملون لساعات طويلة أكثر عرضة للإصابة بسكتة دماغية