أكد الدكتور هاني جهشان الخبير في الوقاية من العنف والإصابات، أن المسؤولية الأساسية لحماية الطفل من العنف الجنسي تعود للأسرة، لافتًا إلى أن الأسرة تعجز على حماية الطفل إذا كانت تتصف بالتفكك ويعاني أفرادها من الآفات الاجتماعية كالإدمان على المواد المخدّرة أو الكحول ولا يعانون من الأمراض النفسية، وأن لا يكونوا من مرتكبي الجرائم أو مسجونين وأن لا تعاني الأسرة من الفقر والتعطل عن العمل، أو تيتم أطفالها، أو أنها تتصف بشيوع العنف ما بين الزوجين أو بين أفرادها الآخرين، موضحًا أن وجود هذه الأحوال في الأسرة يشكل عوامل خطورة لتعرض أطفالها للعنف بما في ذلك العنف الجنسي، وعليه يتوجب على مؤسسات حماية الطفل الرسمية والخدمات الاجتماعية الحكومية التدخل لحماية الأطفال
وتعارضت المسؤوليات وتقاطعت لحماية الطفل ما بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والأسرة، فإن المرجعية الدستورية والقانونية والحقوقية تشير إلى أن الحكومة هي المسؤولة عن حماية الطفل والتنسيق بين هذه الجهات لضمان ذلك.
وأشار جهشان في حوار مع "لايف ستايل" إلى أن عواقب العنف الجنسي الواقعة على الطفل متعددة منها العواقب الجسدية المباشرة، والتي تلحق الأذى والمرض بالطفل كإصابات الأعضاء التناسلية او الإصابات المرافقة لها في عموم الجسم، وتعرض الطفل للأمراض الجنسية المعدية بما فيها مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز وحصول الحمل لدى الضحايا اليافعات واضطرابات الصحة الإنجابية واضطرابات الوظائف الجنسية والعقم
وبين جهشان أن عواقب العنف الجنسي ضد الأطفال قد تصل للوفاة إن كان بالقتل خلال الاعتداء عليه لإخفاء التعرف على القاتل أو لدوافع نزوات شاذة، وقد يؤدي العنف الجنسي للوفاة بسبب تفاقم العدوى بمرض الأيدز، أو خلال الإجهاض غير القانوني للفتاة الحامل أو الوفاة بسبب انتحار المراهق بالناتج عن الكآبة كأحد عواقب العنف الجنسي مضيفً أن جميع حالات العنف الجنسي ضد الأطفال يرافقها حصول عواقب نفسية وسلوكية مباشرة ومتوسطة المدى وتشمل القلق المزمن، الاكتئاب، محاولات الانتحار، الفصام وأيضًا اضطرابات الأكل، اضطرابات النوم، ضعف التكيف الاجتماعي، وعلى المدى البعيد تولد السلوك الجرمي وارتكاب العنف، وانحراف الأحداث، وأيضًا ارتفاع معدل السلوكيات الخطرة مثل السياقة الخطرة، التدخين، السمنة، الانحراف الأخلاقي، إدمان الكحول وتعاطي المواد المخدرة.
وشرح جهشان عن مخاطر العنف الجنسي وطرق الوقاية منها المخاطر المتعلقة بشيوع ثقافة الخجل والتكتم والوصمة السيئة من التوعية الجنسية للأطفال موضحًا أنه في المجتمعات العربية تنتشر هذه الثقافة السلبية وتؤدي لغياب التوعية للأطفال في المنزل وفي المدرسة بما في ذلك غياب تطبيق برنامج وطني مستدام لمنهاج الثقافة الجنسية المناسب لمرحلة نمو الطفل، والذي يتم تجاهل تنفيذه من قبل وزارة التربية والتعليم والحكومة بسبب الخجل وثقافة العيب الشائعة بين التربويين كما هي في عموم المجتمع، لذلك يتوجب على الحكومات تنفيذ هذا البرنامج والذي له مرجعيات علمية مسندة بالبحث المتفق مع ثقافة المجتمع المحلي، وعلى الحكومات أيضًا توفير برامج توعية والدية للأهل بشأن كيفية التعامل مع أطفالهم بما يخص المعرفة الجنسية، ولكن وللأسف لم يكن هناك أية مبادرة اجتماعية للتوعية في الأمور الاجتماعية بما فيها الثقافة الجنسية.
وفيما يتعلق بالمخاطر المتعلقة بغياب برامج توعية مستدامة للوقاية الشاملة منالعنف ضد الأطفال قبل وقوعه، يتوقع أن تقوم الحكومات بالتخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم لبرنامج مستدام للحماية من أشكال العنف ضد الطفل بما فيها العنف الجنسي، يشمل المؤسسات التربوية والصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني، تهدف لنشر ثقافة حقوق الطفل والتوعية من المخاطر المحتملة والتثقيف الحقوقي والقانوني.
أما المخاطر المتعلقة بالأماكن التي يتوقع أن يتواجد بها الأطفال عادة تستوجب مراقبة الأطفال وفق مرحلة نموهم أثناء لعبهم إن كان في الأماكن العامة أو ساحات المدارس أو في الأحياء أو النوادي الرياضية، وخلال ذهابهم وإيابهم من المدرسة، فلا يتوقع أن يترك أي طفل دون رقيب مسؤول عنه في مثل هذه الأماكن إذا كان عمره أقل من 11 إلى 12 عامًا أو إذا كان يعاني من إعاقة عقلية وحسية أو تدني في مستوى الذكاء أو ذو شخصية انطوائية فلا بد من توفر النوادي الرياضية، والنوادي به المعتدي جنسيًا بالطفل ليرتكب جريمته وعليه يتوقع أن يكون هناك رقابة صارمة ذاتية من قبل الإدارة هذه المؤسسات ومن قبل الحكومة بنصوص تعليمات واضحة وصارمة.
وقال جهشان عند ضبط علاقات الأطفال وخاصة المراهقين مع البالغين الأخرين، حتى وإن كان من الأقارب، والتحقق من سلامة العلاقة والخلفية السلوكية والأخلاقية لهم، ويتوقع أن يتم ذلك بالتواصل الراقي من دون عنف أو توبيخ أو لوم الطفل على علاقته بالأخرين، وكما يتوقع أن يتم ضبط العلاقة ومراقبة العاملين في المنزل إن كان من النساء مدبرات المنزل أو السائق أو حارس العمارة، وشدد جهشان على ضرورة أن تقوم الحكومات ببرامج مراقبة لمقاهي الإنترنت التي يتردد عليها الأطفال والمراهقين، لأن للعنف الجنسي مخاطر تتمثل باستعمال الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الرقمية وعلى الحكومات العمل على الرقابة الحثيثة لمستغلي الأطفال عبر الإنترنت بكافة أشكاله بواسطة برمجيات وأجهزة متخصصة تسمح لضباط البحث الجنائية الدخول على مواقع الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي لكشف المتحرشين جنسيًا بالأطفال، والرقابة على الإنترنت هي أيضًا واجب على أهل الطفل في المنزل وعلى المعلم في المدرسة، ويتم ذلك أيضًا بالتواصل الراقي مع الطفل بحب وعطف بأجواء تتصف بالاطمئنان دون قمع أو عنف أو تهديد بحجب التكنولوجيا الرقمية على الطفل.
وشدد جهشان على مخاطر الأبنية والأماكن المهجورة لافتًا إلى أنه يتوقع من الحكوماتإازالة أو حماية الأبنية المهجورة أو إجبار مالكيها على ذلك، لإزالة مكان شائع يتم به الاعتداء جنسيًا على الأطفال، ونطبق ذلك على الكهوف والأنفاق المهجورة البعيدة عن الأماكن السكنية، ويتوقع من الأهل والمعلمين أن يحذروا الأطفال والمراهقين من التوجه لهذه الأماكن، وهناك مخاطر تتعلق بالمهنيين الذين يتعاملون مع الأطفال: من خلال التأكيد من الأسبقيات الجنائية والسلوك الأخلاقي لجميع العاملين مع الأطفال في المؤسسات الاجتماعية والتربوية والصحية والقانونية لنفي أن يكونوا من "عاشقي الأطفال".
وأردف جهشان أن المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل تنص على "تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي، ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع: "أ" حمل أو إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع،"ب"الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة،"ج"الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة، ووفق هذه المادة تقع المسؤولية المباشرة على الوقاية الشاملة من العنف على الحكومة، لكل طفل يتواجد على أرض الدولة العضو
وورد في الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل "تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها من دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر".