اعتبر استشاري الطب النفسي الدكتور وليد سرحان أن زيارة الطبيب النفسي في المجتمع العربي مازالت محاطة بالكثير من الشكوك والهواجس والأخطاء الشائعة والحيرة والخوف من الوصمة، وهذا مما يؤدي إلى إعاقة مساعدة المريض النفسي العربي على الشفاء والعودة للحياة الطبيعية.
وأكد الدكتور سرحان ان الاسباب متعددة لعدم زيارة الطبيب النفسي منها عدم القناعة أن الطب النفسي هو علم: يظن الناس أن الطب النفسي ما هو إلا فلسفة نظرية لا تقوم على أي أسس من البحث والتجربة والإطلاع، وبالتالي لا يعتبروه أحد فروع الطب الجادة ، وينظروا إليه نظرة دونية غريبة، والواقع أنه ليس هناك مجال للإعتراف أو عدم الإعتراف في أي علم من العلوم، مشيرا الى أن الجهل في ماهية هذا الطب تولد عدم القناعة ، كما أن هناك إحساس عام لدى الناس بأن هذا العلم كونه لا يعتمد على مقاييس ملموسة، كصور الأشعة ونسب السكر في الدم وغيرها، اذن هو يقوم على أساس نظري ومن الممكن لأي شخص أن يطبقه وليس بالضرورة الطبيب النفسي، بمعنى أن الشخص العادي يعتقد أن بإمكانه أن يحدد ما هو القلق أو الإكتئاب لأن هذه الكلمات بسيطة وشائعة، ويظن أنه يفهمها ويعرف كيف يشخص وحتى كيف يعالج هذه الحالات، متناسياً أن ثلث مراجعي عيادات الطب العام في العالم هم من المرضى النفسيين، وعدم القدرة على فهم العلاقة الشائكة بين الجسد والنفس: فلازال الكثير من الناس يعتقد أن النفس شيء وهمي هوائي غير موجود ولا محسوس، وأن الجسد فقط هو يعنى به الطب ، هنا لابد من التأكيد على أن النفس كما هي معروفة الآن هي مجموعة من المراكز في الدماغ ، تقوم بتنظيم الوظائف النفسية المختلفة ، وبالتالي إذا أراد هؤلاء حلاً لهذا الإشكال فإن النفس جزءاً من الدماغ وبالتالي جزءاً من الجسد، بل هي أعظم الأجزاء في تنظيمها وتنسيقها ، فقد أقسم بها الله سبحانه وتعالى بها دون غيرها من أعضاء الجسم، اضافة إلى الاعتقاد الخاطيء بأن الطبيب النفسي يتعامل مع الجنون وهذا الاعتقاد خاطيء لأن مفهوم الجنون ليس وارد حالياً في التقسيمات الطبية العالمية ، وأن هناك عشرات الأمراض لكل منها وسائل تشخيصه وصفاته الخاصة ، وقد لا يلاحظ على المريض النفسي أي أمر يثير الشبهات
وأوضح سرحان أن من الاعراض أيضًا هي الاعتقاد بأن الطب النفسي هو فلسفة غربية مستوردة : هذا أمر يثير الدهشة و الإستغراب ، فالطب النفسي لم يبدأ مع فرويد طبيب الأعصاب في فينا في القرن التاسع عشر ، بل بدأ قبل ذلك بقرون عديدة من أبقراط إلى غيره حتى جاء الأطباء العرب المسلمون أمثال إبن سينا والرازي ووضعوا الأسس العلمية وقسموا الأمراض النفسية لأول مرة في التاريخ ، وكانت كتابات الغزالي هي مقدمة لعلم النفس التربوي قبل ألف عام ، والخوف من زيارة الطبيب والوصمة وعدم معرفة السرية المطلقة التي يحملها هذا الفرع من الطب اضافة الى الخلط بين .بين الطب النفسي وطب الأعصاب وعلم النفس : إن هذا الخلط الغريب أحيانً يكون ناشئ من قبل المريض وذويه ، إذ أن كلمة طب أعصاب أو أعصاب تعبانه ، هي أكثر قبولاً وأسهل هضماً عليهم من الطب النفسي ، كما أن هناك بعض الأطباء في مختلف الإختصاصات قد يعززوا مثل هذا التوجه ، والخلط مع علم النفس فإن علم النفس علماً كبيراً له تفرعاته العديدة ، والذي يحمل البكالوريوس في علم النفس هو درجة للدخول في ميدان العلوم النفسية ، وبعض هذه التفرعات لعلم النفس مثل علم النفس الصناعي أو علم النفس الجنائي ، وعلم نفس التجريبي ، هي علوم لا تتعلق بالإنسان مباشرة من حيث صحته ومرضه ، ولكنه لعلم النفس الإكلينيكي والإرشادي وعلم نفس القياس دور هام ، وهي تعتبر مهنة مكملة للطب النفسي وليست منافسة .
ولعل عدم معرفة مدى إنتشار الأمراض النفسية من الاسباب التي تدفع الناس بعدم زيارة الطبيب النفسي حيث يعتقد المواطن العربي حتى المثقفين منهم أن الأمراض النفسية شئ نادرة الحدوث وقليل ولا أهمية له ، ويعرف بأن الأمراض النفسية في مجموعها تصيب أكثر من خمس السكان وأن ذلك الإنتشار يؤثر على الخدمات ويرهق موازنات المؤسسات والدول إذا لم يكن هناك إنتباه له ، وهناك أمراض شائعة بحيث أن القلق النفسي على سبيل المثال يصيب 3% من السكان ، الأمراض الذهانية 3% ، الإكتئاب النفسي يتأرجح بين ما بين 5-8% ، إضطرابات الأطفال قد تتجاوز 10% ، كل هذه الأرقام غير معروفة وواضحة للناس ، اضافة الى قلة الوعي النفسي واثر الشعوذة وضعف الخدمات النفسية وكوادرها والخوف من الوصمة الاجتماعية .