شبكات التواصل الاجتماعي

يبدو مشهد مجموعة من المراهقين يسيرون في الشارع، مضحكًا. فرغم أنهم شلة واحدة، لا أحد منهم يتكلم مع الآخر، بل كلهم منهمكون بهواتفهم الجوالة، وكأنهم كائنات فضائية لا أحد ينظر إلى الآخر أو يدرك ما يدور حوله. هذا المشهد أصبح سائدًا أينما ذهبنا، في المقهى، في البيت أو في المدرسة.
إنها شبكات التواصل الاجتماعي التي اجتاحت جزءًا كبيرًا من الحياة المعاصرة، ولا سيما بين المراهقين الذين أصبحوا يكرّسون معظم أوقاتهم، إذا لم يكن لديهم واجبات مدرسية، للتواصل عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي: الفيسبوك، الانستغرام والتويتر... يتشاركون الصور، يتبادلون الأحاديث والآراء، يلتقون أصدقاء الطفولة ويعودون يوطدون العلاقة في ما بينهم، أو ينشئون علاقات صداقة جديدة، مبنية على معلومات يضعها صاحبها في ملفه الشخصي، قد تكون صحيحة وقد لا تكون، وإنما تجذب من يطّلع عليها، فيطلب صداقة صاحبها.
وبالتالي فإن المراهقين يمضون أوقاتهم في التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية أكثر من أي نشاط بدني آخر.
لذا وبحسب الكثير من اختصاصيي علم نفس المراهق، فإن لشبكات التواصل الاجتماعي الإلكتروني أثارًا سلبية في المهارات الاجتماعية والتواصل المباشر بين المراهقين.
فما هي الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية؟ وهل صحيح أنها سبب تراجع مهارات التواصل الاجتماعي الواقعي عند الأطفال والمراهقين؟ وما الفارق بينها وبين عالم التواصل الواقعي؟
عن هذه الأسئلة وغيرها تجيب الاختصاصية في التربية الدكتورة نجوى جريديني.

هل صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي الرقمية تضعف مهارات التواصل الواقعية؟
من أكثر الآثار السلبية الملحوظة لشبكات التواصل الاجتماعي الإلكتروني في المجتمع الواقعي، تراجع مهارات التواصل الاجتماعي بين المراهقين . فمن المعلوم أن المهارات الاجتماعية، والتفاعل المباشر هي سمات يحتاجها الناس لتحقيق النجاح في الحياة. قد يكون من الصعب أن نلمسها، ولكن منذ مرحلة الطفولة، يبني الأطفال هذه المهارات أثناء نموّهم وتفاعلهم مع الأطفال الآخرين. فالطفل حين يلعب مع الأقران وجهًا لوجه، يتعاركون يتصالحون ويخططون، فإن ما يفعله هو اختبار شخصي ملموس وواقعي يجرّبه لينمّي مهاراته وملكاته، ينجح ويفشل مئات المرّات من خلال تفاعلات كثيرة، وهذا ما يفتقده الطفل المعاصر أو الطفل الرقمي.
ومن الملاحظ أيضًا أن شبكات التواصل الاجتماعي تحدّ بشدة التفاعل عبر لغة الجسد بين الأطفال، خلال فترة حاسمة في حياتهم. فهم قد يفعلون كل ما ذُكر آنفًا عبرها، وإنما تبقى في مجال العالم الافتراضي، الذي من خلاله لن يتمكّن الطفل والمراهق من إدراك الإشارات الحقيقية التي ترتسم على الشخص الذي يحاوره، ويتفاعل معه على أساسها، مثلاً يدرك ما إذا كان حزينًا أو سعيدًا أو غاضبًا، فيتصرف تبعًا لحالة الشخص الواقف أمامه. فيما التواصل وراء شاشات الكمبيوتر والهاتف الخليوي يقلل الإشارات الاجتماعية ويُضعف لغة الجسد، وغالبًا قد يكتفي المتحاورن في العالم الافتراضي بوضع الرموز التي ربما قد تعبّر عن مشاعرهم أو قد لا تكون كافية للتعبير الكامل والدقيق أو الصادق عن هذه المشاعر. مثلاً قد يضع رمز الوجه الباسم فيما هو تعيس أو العكس.
فالقدرة على قراءة إشارات التواصل ولغة الجسد، عنصر رئيس في التواصل الاجتماعي الواقعي. ويُخشى فقدان هذه المهارة الأساسية لنمو الشخصية إذا لم يقلص المراهقون استعمال وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني.

هل هذا يعني أنها تضعف ملكة الذكاء الاجتماعي عند المراهقين؟
لا يمكن الحسم في أنها تضعف ملكة الذكاء الاجتماعي مئة في المئة. فعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤثر سلبًا في المهارات الاجتماعية للمراهقين، فإن لها الأثر الإيجابي في العلاقة بين الأقران.
فمن المعلوم أن مرحلة المراهقة غالبًا ما تكون صعبة بالنسبة إلى الكثيرين. فهي مرحلة التوتر، التعلم، والارتباك.
واستعمال المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي يبقيهم على اتصال مع الأصدقاء، مما قد يؤثر إيجابًا في العلاقات بينهم. فمن خلالها يكون المراهق قادرًا على نسج علاقات قوية مع أقرانه الذين يساهمون في تخفيف حدة التوتر. وفي مقابل هذه الإيجابية، فإن بناء صداقات جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد تعرّض للكثير من المشكلات، ولا سيما ما يعرف بالتنمّر الإلكتروني Cyber bullying.

                      

وفي كل الأحوال يمكن تحديد سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي بالآتي:


على مستوى الصحة الجسدية

    زيادة الوزن: يسبّب الجلوس إلى الكمبيوتر زيادة في الوزن، فالمراهق يجلس وقتًا طويلاً يتناول وجبات طعامه من دون أن يفكر، وبالتالي لا يقوم بأي حركة جسدية أو تمارين رياضية، مما يؤدي إلى السمنة المفرطة التي وبحسب الدراسات الطبية سببها الجلوس الطويل إلى الكمبيوتر.
    تؤذي العيون: يؤكد الكثير من أطباء العيون أن التعرض المستمر للكمبيوتر أو أي آلة رقمية أخرى يؤذي العيون. لذا يجب على المراهقين الخروج لتمضية بعض الوقت في النشاطات الجسدية في الهواء الطلق بدل الالتصاق بشاشة الكمبيوتر.


على المستوى النفسي والذكاء الاجتماعي:

    يعزّز العزلة: الطفل أو المراهق الذي بطبعه يفضّل العزلة هو أكثر المراهقين ميلاً للالتصاق بالشاشة الإلكترونية، يمضي وقته في التحادث عبر مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي، ويفضل عدم مغادرة البيت ولقاء الأقران.
    فيما التواصل الاجتماعي الواقعي يعني التفاعل المباشر مع الآخرين، وهذا أساس في نمو الشخصية. والطفل أو المراهق الخجول ربما يفضل التواصل عبر الشبكة العنكبوتية بدل التواصل مع الآخرين، مما يعزز لديه العزلة.
    أعراض صعوبات نفسية وعاطفية: من المحتمل أن يؤدي تصفح الفيسبوك إلى زيادة أعراض الصعوبات النفسية بين العديد من المراهقين مثل الاكتئاب والعدوان المفرط والقلق غير الطبيعي أو حتى القلق العادي.
    صحيح أن معظم المراهقين يعانون مشاكل عاطفية وواعون جدًا لصورتهم الذاتية، لأجسامهم ولمظهرهم، ولكن إذا كانوا اجتماعيًا، يشعرون بالنقص أو عدم ثقة بالنفس بشكل حاد، فإنهم يتجنبون التفاعل الاجتماعي الواقعي، وبالتالي يفضلون تمضية وقتهم جالسين يكتبون على صفحة الفيسبوك الخاصة بهم بدل التحاور مباشرة مع أقرانهم.
    وهذا يؤدي إلى ضعف التواصل الشفهي بين الكثير من المراهقين الذي هو إحدى الوسائل التي تعزّز الذكاء الإجتماعي.
    التواصل مع الغرباء على الفيسبوك: من المحتمل أن ينتهي التواصل على الفيسبوك ببناء علاقات مع غرباء، الذين من الممكن أن يكونوا مجرمين.
    والمراهقون عرضة للتأثيرات الخارجية. فأنماط حياتهم تتغير ويريدون بناء علاقات مع أناس يبدون أنهم مميزون. وخلال ذلك يحاولون التواصل مع غرباء ربما يمكن أن يسببوا لهم أذى كبيرًا.
    الافتقار إلى التواصل العاطفي المباشر: هناك نقص في التواصل العاطفي عندما لا يلتقي الصديقان في الواقع. وغالبًا يلاحظ أن الأصدقاء الفيسبوكيين عندما يلتقون لا يتكلمون، ولعل مشهد الشلة الجالسة في المقهى خير دليل، الكل مشغول بهاتفه، وإذا تحادثوا، فإنما يكون عما يقرأون على صفحاتهم الخاصة.
    فضلاً عن أن البعض اعتاد التعبير عما يشعر به عبر الفيسبوك، وبالتالي يجد صعوبة في مشاركة أفكاره ومشاعره مع الآخر وجهًا لوجه. لذا يلاحظ اليوم ضعف التواصل المباشر بين المراهقين وحتى الراشدين أيضًا.
    تشجع الكسل: الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر وتصفّح الفيسبوك يمكن أن يؤديا إلى الكسل. فغالبًا يميل الجالس إلى الفيسبوك إلى عدم القيام بنشاط جسدي.
    يسبب التلهي: تصفح الفيسبوك يصرف العقل عن التنبه إلى أمور كثيرة تدور حول المراهق. فيما يمكنه المشاركة في نشاطات أخرى بنّاءة تحافظ على تركيزه.

في مقابل الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي... لها تأثير إيجابي.

    تحسن الحالة المزاجية: عندما يستطيع المراهق التواصل مع صديقه الذي يعيش بعيدًا عنه، يشعر بالمزاج الجيد. خصوصًا أن التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي سريع جدًا، سواء بالكتابة أو عبر التواصل المرئي- سمعي مثل السكايب أو اتصال الفيديو. وكذلك التواصل مع افراد العائلة في الأوقات الصعبة لدعم وتشجيع ومساندة بعضهم بعضاً، خصوصًا إذا كانوا يعيشون في بلاد الاغتراب.
    تساهم في توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية وتتيح فرصًا لتبادل الخبرات ومشاركة الافكار والآراء والاطلاع على مجريات الأحداث حولهم، والحصول على كم كبير من المعلومات. ولكن هذه العلاقات قد تتبلور عند التواصل المباشر أو تبقى ضمن إطار شبكة التواصل الإفتراضي.

وخلاصة القول، فإن من المهم جدًا معرفة الآثار المحتملة من مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب، والبقاء متيقظين للسلوكيات الناتجة من الجلوس الطويل إليها، للحد من خطر المشاكل الناجمة عن الاستعمال غير السليم لها.

قد يهمك أيضا:

أسباب وعلاج ضعف الثقة بالنفس عند المراهقين

دراسة تؤكد أن أدمغة المراهقين المدخنين قد تكون مختلفة عن أدمغة أقرانهم الذين لا يدخنون