المشكلة:أنا في الثلاثين مِن عمري، أعمَل منذ 5 سنوات في شركةٍ مع مديرٍ تربطني به علاقة عمَل وأخوَّة، يكبرني بنحو 16 عامًا! علاقتي به تَكمُن في النُّصح والأمانة، ودائمًا يأتمنني على أسراره، ويأخُذ رأيي في كل شيءٍ. انفصل عن زوجتِه مُؤخَّرًا وتزوَّج مِن أخرى، وأخذ رأيي قبل الزواج وشجَّعْتُه، وهنَّأته، مع أني أحبُّه سرًّا، بالرغم مِن علمي أنه لن يَتزوَّجني، ولن يكونَ مِن نصيبي! ترَكْنا العمل، لكن ما زال على اتِّصال بي في أمور البحث عن وظيفةٍ، ولأَخْذِ مَشورتي في أموره الخاصة، وزوجتُه لا تَعرِف بسبب حرصِه على مشاعرها وحساسيتها مِن هذا الأمر! لا أُخفي سعادتي مِن ثقته بي، لكن أشعُر بتأنيب الضمير؛ لأنَّ زوجته هي أَوْلَى الناس باحتوائه، وأشعُر مِن داخلي بالخيانة مع أني أُحبُّها وأتمنَّى لها الخير، وأُحبُّهم جميعًا. كُلي ثقة بأنَّ مشكلتي لن تنتهيَ إلا بظهور شخص في حياتي أرتبط به، ويكون لي الأمان والاحتواء، وسؤالي: هل أنا خائنة لزوجته؟ وما رأيكم ماذا يمكنني أن أفعل؟
الحل:أيتها العزيزة، أنتِ كغيركِ مِن الفتيات ممن تأخَّر زواجهنَّ مِن وجهة نظر المجتمع، وابتُلين بالعمل المُختلط؛ يَتعامَلْنَ مع الرجال، ويَتَحَدَّثنَ إلى زملاء ومديرين وعملاء في ظل احتياجٍ وُجوعٍ عاطفيٍّ يُقاسينه في صمتٍ داخل أُسَرٍ لا تُدرك ما تُعانيه الفتاة، ولا تعي قَدْرَ الحاجة القلبيَّة للمشاعر، في ظلِّ ثقافة ترى أنَّ كلمات المحبَّة وعبارات المديح في الأسرة لا قيمةَ لها، وتخشى أن تلفتَ أنظار الفتيات إلى ما لا يُحمد عُقباه. أخيتي الكريمة، ليست المشكلةُ في أنها لا تعلم أنه يأتمنكِ على أسرار مهنيَّة لا تهمها إلا قليلًا، ولا تشغل مِن بالها إلا حيِّزًا ضيقًا، وليست المُعضلةُ في أنكِ تُخونينها أو ترين أنها أَوْلَى منكِ بالاحتواء ونحو ذلك، ولكن المشكلة لديكِ في الخيال الذي تسبحين فيه، ويُصوِّر لكِ أنَّ تلك الأسرار مِن باب المحبَّة التي اختَصَّكِ بها دونها، والعكسُ أقرب للصواب؛ فالرجلُ مِن فَرْطِ محبته وحرصه عليها وعلى مشاعرها لا يُريد أن يُكدِّر صفوَ سعادتها، ومِن خوفه على قلبها يَنْأَى بها عن كلِّ ما يحسب أنه مصدر قلق لها! ومع وُجود البديل الذي يَحتوي المشكلات، ويَنصَح في الأزمات؛ فيرى أنه ليس بحاجةٍ لأن يقضَّ مضجعها بما يُؤلِمُها، ويرى أنَّ غيرها أَوْلَى بحمل ذلك الهمِّ؛ لأنه بعيدٌ عن تلك الأجواء، ويحسب أنكِ ستُخلصين له النصيحة والعون، وقد فعلتِ! نظرتُه لكِ خالية مِن أية مشاعر، خاوية مِن كل العواطف، فيَحسُن بكِ الآن أن تَتَفَكَّري في شأنكِ، وأن تقبلي على ما ينفعكِ، تمامًا كما فَعَل حينما آثرَ الزواج منها، في حين كنتِ أمامه دون عوائق. أُؤيِّدكِ في أنَّ الزواج مِن رجلٍ صالح مِن أكبر الأسباب المُعينة بإذن الله على البُعد عن هذا الشخص، وقطع العلاقة به، والانسِحاب مِن حياته إلى حياتكِ الخاصة، ولكن ماذا لو تأخَّر الزواج قليلًا، وهو أمرٌ لا حيلةَ لنا فيه، ولا سلطان لنا عليه؟ عليكِ أن تبحثي عن سبيلٍ آخر حتى يأذن الله بما تتمنين، ومِن الأمور المُعينة بإذن الله على الابتعاد عنه: التسلُّح بالطاعة والعلم الشرعي، والتمسُّك بأمور دينكِ وشريعتكِ التي تُحرِّم عليكِ الاختلاط بالرجال، والتحدُّث والتواصُل معهم، في غير ضرورةٍ أو ضابطٍ شرعيٍّ. ومِن ذلك التمسُّك ببديلٍ مِن بنات جنسكِ؛ كصديقةٍ مُخلصةٍ تُعينكِ على تخطي تلك العقبة، ولا بأسَ أن تشرحي لها وضعكِ، وتَطلُبي منها العون بأن تشتركَا في نشاطٍ دينيٍّ أو اجتماعي أو غيره، مما يُخرجكِ من بَوْتَقَةِ التعلُّق التي لن يكونَ مِن السهل التخلُّص منها. لا شك أنَّ سِنِي عملكِ معه قد أكْسَبَتْكِ من الخبرة ما يُؤهلكِ للبحث عن فرصة عمَل جيدة بعيدة عنه، وقد يكون في العمل المناسب خيرُ شاغل لكِ عن أموره، وخير وسيلةٍ للتدرُّج في سَلْب مشاعركِ وتحريرها مِن أَسْرِه، حتى تنضحَ وتتعافى مما عانَتْهُ تلك السنوات الخمس! الحبُّ شعورٌ قلبيٌّ لا سلطانَ لأحدٍ عليه، ولستُ أعني بحديثي: أني لا أشعر بكِ، ولا أُدرك حجم معاناتكِ، ولكن أنتِ تُوقنين أنكِ تضيعين وقتكِ وجهدكِ، وتهدرين مشاعركِ، وتستنزفين عواطفكِ فيما لا طائل مِن ورائه، ولا أمل في تحصيله، فرفقًا بقلبكِ المسكين، ويكفيه ما قاسى وما تحمَّل مِن شعورٍ بالحزن والحرمان، وقد آن الأوانُ لبَذْلِ الجهد مِن أجل نفسكِ، وفي سبيل استِعادة ذلك القلب المُنهَك، وتأهيله لحياةٍ جديدةٍ مليئة بالمحبة، مُفعَمَة بالنشاط حينما يأذن الله بتكوين أسرة طيبة تغدقين فيها على زوجكِ وأبنائكِ بإذن الله مِن تلك المشاعر الجميلة التي تتمتَّعين بها، وهذه العواطف المُرهَفة التي تعلو ابتسامتكِ الرائعة التي أراها بين كلماتكِ التي تنبض بالحنان، وتُشرق بعبير المودَّة والمشاعر الطيبة، فرغم محبتكِ للرجل لا تجدين في نفسكِ مِن الحقد على زوجته شيئًا، وهذا القلبُ الطيبُ الرقيق الذي اعتاد أن ينثرَ الحب لن يخذله الله متى ما أَحْسَن الظن به، وصَدَق في اللجوء إليه سبحانه. يبقَى أن أُذكِّركِ بضرورة السعي لقَطْع التواصل معه، والتوبة مِن مُحادثات غير شرعية معه، ولو حَسُنَت النيَّة، وأنتِ بفعلك ذاك تخونين نفسكِ وزوج المستقبل الذي لن يرضيه فعلك بالتأكيد. أسأل الله أن يَعصِمَ قلبكِ، ويُطَهِّرَه مِن كل ما لا يُرضيه، وأن يُعَوِّضكِ خيرًا مما فقدتِ، وأن يرزقكِ الزوجَ الصالح الطيب الذي يتَّقي الله فيكِ ويُحسن إليكِ.
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
أرسل تعليقك