المشكلة : أنا فتاة عشرينية توفي لي شخص عزيز منذ سنوات، وكنت أعاني من أمور قبل وفاته، تفاقمت بشدة بعد الوفاة، منها القلق شديد من أتفه الأمور، وأكثر ما يقلقني فقدان أحد المقربين مني، ووساوس في كل شيء تقريبا الصلاة والنظافة والوضوء، وتصرفات الناس، حتى في أمور تخص العقيدة، أيضا ضيق وإحباط شديد وفقدان الرغبة وعجز عن إيجاد هدف حتى لو أخروي. وأيضا تشتت وتوتر شبه مستمر، وردات فعل مبالغ فيها في الأمور التي تزعجني، وفي المقابل برود شديد وعدم مبالاة بالأمور الجيدة التي تصادفني، فلا أفرح بها بل قد تضايقني، التوجه لانتقادات أو مزاح ثقيل فيما لا يخصني، الشعور بالحرج والضيق والتوتر والرغبة في البكاء فمشكلتي في تعليقات الغير وقناعاتهم تجاهي رغم أنها غير مهمة، لكن لا يمكنني تجاهلها وأستاء جدا عندما أفشل في رد اعتباري أو تبرير موقفي. وأشعر بعسر في أمور حياتي كلها ويلازمني إحساس أن الحياة تعيسة، وأكره كل أنواع التواصل مع الناس، وكل ما يجبرني على الاحتكاك بهم سواء دراسة أو غيرها، حتى أهلي أنعزل عنهم، ويغمرني الضيق إذا اختلطت بهم، وأكره المكالمات الهاتفية بشدة. أغلب أفراد أسرتي أسلوبهم جاف جدا ومؤذ أحيانا، ويستحيل الحوار معهم مما سبب لي مشاكل وعرضني لأضرار، أصبحت غير قادرة على تقبل أي تصرف منهم، وأحتاج بشدة للاحتواء والاهتمام، أفقد قدرتي على ممارسة حياتي بشكل طبيعي حين أفقد الاهتمام، وأفتقد هذا بشدة في أسرتي، أريد التخلص من سيطرة مشاعري واحتياجي هذا لأنني بدات أيأس من وجود شخص قد يهتم لغيره في حياتي، أشعر أني وحيدة ومكبلة تماما وعاجزة عن التصرف في أمور حياتي. لا أريد أطباء ولا أدوية لا يمكنني توفيرها، ولا أستطيع الخروج من منزلي، ولا ممارسة نشاط جديد بسبب أهلي، أريد توجيهات تساعدني على الخروج ممن ما أنا فيه.
الحل : أن هذا الكون ملك لله وأنه لن يحدث فيه إلَّا ما أراده الله، وأن قلقنا وانزعاجنا لا يُغير في الأمر شيء، ولكننا نوقن أن الذي يُقدره الله هو الخير، ((وعجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لاحدٍ إلَّا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))، فتعوذي بالله من شيطان همّه أن يُدخل الحزن على أهل الإيمان، ولكن العدو الحقير ضعيف وليس بضارهم إلَّا إذا قدّر الواحد الديَّان، فلا تعطي الأمور أكبر من حجمها، وأعلني رضاك بما يُقدّره ربنا القدير، وتأمّلي فيما قاله عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار)، وأبلغ منه ما جاء عن جدِّه الفاروق رضي الله عنه: (لو كشف الحجاب لما تمنَّى أصحاب البلاء إلَّا ما قُدِّر لهم، فنحمد الله على لطفه ورحمته). وأرجو أن يتحوّل قلقك على من تفقدين من المقربين إلى استغفار لهم ودعاء، فإن هذا هو الذي ينفعك وينفعهم. أمَّا بالنسبة لوساوس العقيدة ووساوس الطهارة والصلاة فعلاجها في إهمالها وتجاوزها والاشتغال بغيرها، ومخالفة العدو الذي يأتي بها، ونبشرك بأن الوساوس غالبًا تأتي لمن ينشدون الكمال، وأن علاجها باليقين بأن الدين يُسر، وبأن الله لم يكلفنا إلَّا بما في وسعنا وطاقتنا، وهناك وصفة نبوية في التعامل مع الوساوس، وقد بشّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من قال: (يجد أحدنا الأمر في نفسه، لزوال السموات أحب من أن نتكلم به، ولأن يخرُّ أحدنا من السماء أحبُّ من أن يتكلم به) فبشره بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك صريح الإيمان))، وبقوله: (الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة))، ثم وجهنا بقوله: ((فإذا وجد ذلك أحدكم فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم لينتهِ))، فإن كان الأمر متعلِّقٌ بالعقيدة فعلينا أن نقول: (آمنتُ بالله). وننصحك بعدم الاستسلام للإحباط، وأخلصي دينك وعملك يكفك القليل، وتعوذي بالله من الهم والحزن ومن العجز والكسل، واعلمي أن كيد الشيطان ضعيف، وأنه ليس له سلطان على أهل الإيمان. ولا يخفى عليك أن الاعتدال في الفرح والحزن مطلوب، كما قال ابن عباس: (ما من إنسان إلَّا يفرح ويحزن، ولكن المؤمن يجعل فرحه شُكرًا، ويجعل حزنه صبرًا)، والأهم من ذلك أننا نُؤجَرُ في الحالتين، فاجعلي همك إرضاء الله تعالى، ولا تهتمّي بتعليقات الناس، ولا تحزني لها، ولكن استفيدي ممَّا تسمعي، والعقلاء يستفيدوا حتى من انتقاد أعدائهم؛ لأنهم يبصّرونهم بجوانب النقص والخلل فيحصل التدارك، وتذكّري أن من يعيب علينا أو ينتقضنا هو أيضًا ناقص، والأمر كما قال الشاعر الحكيم: وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ = فهي الشهادة لي بأني كاملٌ ولست بحاجة لرد الاعتبار، فأنت أعلم بنفسك من الناس، والله أعلم بك منك، ولو أننا ألقمنا كل من ينبح حجرًا لأصبح الصخر مثقال الدِّينار أمَّا مسألة العسر في الحياة فهو جزء طبيعي من الدنيا، التي قال عنها الشاعر: جُبلتْ على كَدرٍ وأنت تُريدها = صفوًا من الأكدار والأقذاء ومكلف الأيام فوق طباعها = متطلب في الماء جذوة نار وربنا العظيم جعل الدنيا سجن للمؤمن، لكنها جنة للكافر، وهو مع ذلك يتعب فيها لكنه مخذول ومحروم في الآخرة، والدنيا لا تطيبُ إلَّا بذكر الله وشكره وحسن عبادته، وتيسير الأمور بيد الله وحوله وتوفيقه، فاستعيني به، وتوكّلي عليه، وأكثري قول (لا حول ولا قوة إلَّا بالله)، فإنها كنز وذكرٌ واستعانة. لا تنعزلي عن أهلك والناس، ولكن أحسني اختيار من تجالسين، وقد قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يُريدون وجهه}، وأعطي والديك حقهما وحظّهما من الاهتمام والبر، واعلمي أن هذا باب للتوفيق والسعادة، ومن المهم أن تتحكّمي في الخلطة في نوعها ومقدارها وأوقاتها، وتذكّري أنك بحاجة إلى أن تتحمّلي من أهلك والصديقات، وهذا أمرٌ مهم، والمؤمنة التي تُخالط وتصبر خيرٌ من التي لا تُخالط ولا تصبر، وتقبّلي من أهلك كما تتقبلين من غيرهم، واعلمي أن أهلك هم الأحرص عليك، وعاندي عدوّنا الشيطان الذي همّه أن يغرس شجرة العداوة والبغضاء. ورغم أهمية الاحتواء والقُرب من أهلك إلَّا أن لك دورا كبيرا في وضع واقع اجتماعي أفضل، فبادري وكوني إيجابية، وثقي بأن ابتسامتك ستجد الرد بالمثل، واعلمي أن العاطفة أخذ وعطاء، وأن التعاطف باب ومدخلٌ إلى قلوب الناس، كما أن إقبالك على رب الناس سوف يجعل قلوبهم تُقبل عليك، وكذلك الحرص على الأعمال الصالحة، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا}، أي محبَّة في قلوب الخلق.
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
أرسل تعليقك