تدير مجموعة من النساء خطًا لمساعدة المسلمين في أبو ظبي بشأن بعض الفتاوى مثل (هل يمكن للرجال والنساء العمل معا) أو (هل يجب عليّ الصوم في رمضان إذا كان لدي الدورة الشهرية)، وشوهدت الشيخة نعيمة وهي تجلس على طاولتها في مقرّ عملها صباحا، وبحلول الساعة التاسعة كانت قد تحدثت إلى 11 متصل بالفعل، وتجيب الشيخة نعيمة على الهاتف قائلة "السلام عليكم" بلغة هادئة لتجيب على سيدة تقول أنها أنجبت مرتين وكلا الطفلين توفى وهي الآن حامل ثانية لكن الطبيب حذّرها من أن الجنين ربما يعاني من مضاعفات خطيرة، وتسأل عما إذا كان يسمح لها الدين الإسلامي بعمل إجهاض، وأصدرت الشيخة نعيمة الفتوى قائلة "إذا كان الجنين سيصاب بمرض خطير ولن يبقى على قيد الحياة فيمكنك إجراء إجهاض، ويجب أن تأخذي مشورة الطبيب الخاص بك فالدين لا يتعارض مع الطب".
وأوضحت الشيخة أن الإجهاض مسموح في ظل ظروف معينة في غضون 120 يوما أو 17 أسبوعا من الحمل إذا اعتقد الأطباء أن الطفل لديه عيوب تُهدّد حياته، وهذه الفتوى مبررة وفقا لنص الحديث المنسوب للنبي محمد والذي ينص على أن الروح تدب في الطفل خلال 120 يومًا، وعندما انتهت الشيخة نعيمة من المحادثة الهاتفية اتجهت إلى المكتب لتدوين بعض الملاحظات، ويوجد مقرّ مكتب الخط الساخن للفتوى في الطابق الثامن من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في أبو ظبي والذي يعرف اختصارًا بالأوقاف، ويدار خط الفتوى الساخن من مبنى حكومي بجانب سوبر ماركت على امتداد الطريق المزدحم المؤدي إلى المياة الفيروزية من الخليج الفارسي، ويضم المبنى لوحة كبيرة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الرئيس الراحل ومؤسس الإمارات العربية المتحدة معلقة على الحائط، ويمكنك رؤية علماء الدين مرتدين الجلباب والكوفية البيضاء وهم يخرجون من المكاتب ذات الجدران الزجاجية حاملين الأوراق والكتب الثقيلة، بينما تختلط رائحة البخور مع الهواء البارد.
وتتولى الشيخة نعيمة واثنين من زملائها الإناث جمع استفسارات النساء والرجال من كل الخلفيات الغنية والفقيرة والصغار والكبار، وتساعدهم في الوصول للقواعد المعنوية والأخلاقية التي تحكم وضع كافة مجالات الحياة للمسلمين، ويعد مركز الإفتاء الوحيد في الشرق الأوسط حيث يتم التعاقد مع فريق من النساء المؤهلات من قبل الدولة لإصدار أحكام دينية، وتعمل النساء في جميع أنحاء القاعة بجانب نظرائهن من الرجال وعددهم 47 مفتيا يقومون بنفس العمل، وهناك لافتة بيضاء كبيرة تنص على مهمة الأوقاف بأنها "تعزّز الوعي الاجتماعي والتقدم وفقا لتعاليم الإسلام السمحة التي تدرك الواقع الراهن وتفهم التحديات المستقبلية، والكلمة المفتاحية هي التسامح".
وتتراوَح استفسارات الناس في هذا الصباح بين "هل يسمح للرجال والنساء العمل معا في المكتب؟ نعم"، و "هل لي أن أصوم رمضان إذا كان لدي الدورة الشهرية؟ لا"، وتسأل المتصلة المقبلة " إذا كان هناك صوت قادم من المهبل أثناء الصلاة فهل يبطل الصلاة؟"، وأجابت الشيخة "لا يبطلها لأنه ليس من انتفاخ البطن والصلاة على ما يرام، وتعد هذه مشكلة شائعة للعديد من النساء اللاتي أنجبن"، وعندما تنتهي الشيخة نعيمة من المحادثة الهاتفية تناولها زميلها الشيخة راضية كوب من القهوة قائلة "لا توجد أسئلة غريبة لقد سمعنا كل شيء".
وتعمل الشيخة نعيمة الباحثة القانونية من المغرب في مركز الفتوى منذ 8 أعوام، وهي في الأربعين من عمرها، وتبدو أظافرها مصبوغة بالحنة البرتقالية مرتدية عباءة طويلة سوداء والتي عادة ما ترتديها النساء في دول الخليج، ويحاول النساء في الخط الساخن للفتوى تصحيح اختلال التوازن بين الجنسين في المجال الديني، فالحياة الدينية في دولة الإمارات العربية المتحدة كما الحال في باقي دول الشرق الأوسط حيث يهيمن عليها الرجال، فالمساحة الدينية غالبا ما يحتلها الذكور، فالأذان للصلاة 5 مرات يوميا يتم بواسطة رجل، والرجال هم الذين يسرعون للمسجد بينما يتم تشجيع النساء على الصلاة في المنزل وحتما العلماء الإناث نادرين.
وأضافت الشيخة راضية " نحن نعلم أنه من غير المألوف أن يشار إلى امرأة باعتبارها مفتية أو شيخة لأن هذا العمل عادة للرجال، ولكن من المهم أن يكون للمرأة شخص تلجأ إليه عند الحاجة للمساعدة، وعندما نتواصل مع إمرأة أخرى نفهم كيف تفكر"، وتناضل الشيخة نعيمة والشيخة راضية لمواكبة حجم الاستفسارات والتي تصل إلى 200 مكالمة ورسائل نصية ورسائل إلكترونية يوميا، ومعظمها من نساء، وأصبح الخط الساخن للفتوى ناجحا بعد إرسال ستة إماراتيات شابات إلى جامعة محمد الخامس في المغرب في منحة دراسية تمولها الدولة ليصبحن مفتيات ناطقات باللغة الإنكليزية، وتقول الشيخة نعيمة " إذا تعرف شخص مؤهل لذلك دعنا نعرفه".
وتقول مريم الزيدي (26 عاما) وهي واحدة من الخريجين "نحن نحاول تعليم الناس الإسلام الحقيقي والدولة تأخذ التعليم الديني للنساء على محمل الجد، وكان لدينا منح دراسية كاملة ولم ندفع أي شئ وكان لدينا سيارة تنقلنا، وكان يتم إعطائنا مال للإنفاق، والحكومة تحاول إحياء تقليد قديم فكل النساء في عهد النبي محمد كانوا يعلموا الناس وليس فقط النساء ولكن الرجال أيضا ويشرحون العقيدة"، ويتناول الخط الساخن للفتوى قضايا حميمية للنساء المسلمات دون وساطة من المهنيين من الذكور أو رجال الدين مع وعد بعدم كشف الهوية، ويعد عمل العالمات الإناث جزء من استراتيجية حكومية طويلة الأجل لتوصيل خطاب ديني معتدل في ظل ارتفاع التعصب الديني والطائفية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك الجماعات الجهادية مثل تنظيم "داعش" وحركة طالبان، وآرائهم في استبعاد النساء من الحياة العامة باعتبارهم عنصر حاسم في دولة يحكمها تفسيرهم للشريعة الإسلامية.
وعندما احترقت الآيات الشيطانية لسلمان رشدي في جميع أنحاء العالم الإسلامي عام 1989م وقتل مترجمها الياباني في طوكيو فأصبح المصطلح "فتوى" مرتبط بإصدار أحكام عاجلة بالإعدام، لكن الفتوى في الواقع هي رأي قانوني يساعد المسلمين على عيش حياة أخلاقية وليس هناك إلزام لاتباعها، ولا يعد مركز الفتوى في أبو ظبي جزء من النظام القانوني في البلاد والتي تعتمد على المذهب المالكي المعتدل في الفقه السني مع عناصر مختلفة من الأنظمة القانونية الأوروبية، وهناك محاكم شرعية ومحاكم مدنية تعمل بشكل متواز وتغطي مناطق مختلفة من القانون، وفي بعض الأحيان يتم استشارة المفتي أو المفتية ولكن القاضي هو الذي يصدر حكما ملزما قانونيا، ويقسم الإسلام السلوكيات الإنسانية إلى 5 فئاتهي: واجب ومحظور وموصى به وغير مفضل ومحايد، وتنصح الباحثات النساء الناس وفقا لمدى وقوع أفعالهم في هذه الفئات، ولا تعد الفتوى قانون واجب النفاذ، وإن لم يعجبك حكم مفتي يمكنك الذهاب إلى مفتي آخر.
وليست الفتوى مجرّد رأي لكنها تقوم على آيات قرآنية أو حديث شريف أو أراء الأجيال السابقة من العلماء المسلمين عبر 1400 عاما من التاريخ، وفي حالات نادرة عندما لا توفر تلك المصادر جوابا فيتم الاحتكام إلى المنطق جيدا للتوصل إلى قرار سليم، وربما لا توجد هذه التعقيدات لدى العديد من الخبراء المسلمين الذين نصبوا أنفسهم والذين تتواجد أرائهم على جوجل، فيمكنك أن تجد فتوى تبيح قطع رأس الأسري في حالة داعش على سبيل المثال أو استعباد شخص ما كرقيق للجنس، ونتيجة لهذه الفتاوى المغلوطة اتخذت الإمارات خطوة لتوجيه الناس نحو عدة علماء، وتقول الزيدي " ليس كل ما على شبكة الأنترنت صحيح، عليك أن تسأل سؤال بسيط وتحصل على العديد من الآراء، وأعتقد أنه من الأفضل الذهاب إلى شخص متخصص إذا كان لديك مشكلة ما".
وأضاف جوستين ستيرنز، وهو أستاذ مشارك أميركي ورئيس برنامج مفترق الطرق للدراسات العربية في جامعة نيويورك في أبو ظبي "معظم الأسئلة التي يطرحها المسلمون تتعلق بعلاقتهم بالإله وقدرتهم على الوفاء بها على وعد المكافأة في العالم المقبل، في السوق من وجهة النظر الدينية، إذا كنت مسلم معتدل فستبحث عن شخص يمكنه التفريق بين الغث والسمين عندما يتعلق الأمر بالسلطة الدينية"، وتعد الأوقاف سلطة نهائية فعالية في جميع الأمور المتعلقة بالإسلام، حيث يتم فحص كل النصوص والأئمة خوفا من التطرف، والعديد من البلدان لديها مفتي أو مركز للفتوى لكنها لم تقل بعبار واضحة أنه لا يحق لأي شخص آخر في البلاد إصدار الأحكام، وهناك لجنة من علماء الدين تقرر مضمون خطبة الجمعة، ويتقاضى الأئمة رواتبهم من الدولة ويمنع الخروج عن الموضوع الرسمي الذي يلتزم بالقيم المعتدلة مثل احترام الأقليات الدينية بما في ذلك المسيحيين والنساء.
وتابع الحبيب علي الجفري رئيس ومؤسس منظمة طابة الدينية التي تمولها الدولة " ما وجدناه على مدى 30 سنة ماضية وجود عدد من الأئمة غير المحليين مع مظالم سياسية طويلة الأمد ضد بلدانهم ويلقون المواعظ، وكان لدينا نفس المشكلة مع الفتاوى، لقد كانت هناك فتاوى متناقضة غير رسمية ويمكن للناس الحصول على الأحكام في أي مكان، ولتحقيق السيطرة والتوازن بدأنا في تبسيط العملية وكان جلب مفتيات نساء جزء من هذه العملية"، ويعلم الجفري أن الاتصالات الحديثة يمكن أن تنشر الكراهية، ويحظى الجفري بـ 3.5 مليون متابع على تويتر وتبين له أن "داعش" أصدرت فتوى بإعدامه، ويضيف الجفري " هذا هو الواقع الذي نعيش فيه، وتحاول "داعش" خلق حاجز بين الناس وبين الوصول للعلماء، فإذا وصل الناس للعلماء وتعلموا المعرفة الحقيقية مثلنا سوف نرى عدم شرعية أمثال "داعش"، وفي دراسة أجرتها مؤسسة طابة وخدمة زغبي للأبحاث وهي شركة مقرها واشنطن ، سئل 5374 من العرب المسلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15-34 عاما في 8 بلدان عما إذا كانوا يعتقدون أن جماعات مثل "داعش" تحرف تعالم الإسلام، ومن بين مشاركي الإمارات أوضح 92% أن هناك تحريف كامل بينما اعتقد 45% من الكويتيين بنفس الشيء.
وتقع الإمارات بين منافسين قويين في المنطقة العربية هما إيران إلى الشمال والمملكة العربية السعودية إلى الجنوب، وكانت الإمارات دولة فقيرة قبل نصف قرن، وكان المجتمع قبليا متجانسا متماسكا وكان ذلك ضروريا إذا أراد الناس البقاء على قيد الحياة في مناخ ومياه شرب شحيحة ودرجات حرارة عالية تصل إلى 50 درجة مئوية، وتمت هيكلة المجتمع حول العقيدة الإسلامية والعادات والأعراف القبلية الذكورية، وكانت النساء تحفظ بعيدا عن العامة، إلا أن اكتشاف النفط في البلاد في أواخر الخمسينات غيرها جذريا، وتعد الإمارات سابع أكبر دولة تضم احتياطي للنفط في العالم، وتم توجيه أموال النفط تلك إلى تحويل المجتمع للاعتماد على التجارة والصيد وأصبحت الدولة ذات اقتصاد يرتكز على المال والعقارات والسياحة، والهدف من ذلك خلق مجتمع يمكنه العمل عند نفاذ النفط والغاز، ولا تعني الحداثة بالضرورة الديمقراطية إلا أن الحكام الذين توارثوا الحكم في البلاد شجعوا المرأة على المشاركة في الحياة العامة، وفي فبراير/ شباط تم تعيين 5 نساء في مجلس الوزراء لهما دورا استشاريا، وربما هناك بعض التوتر بين الحياة الحديثة والقيم الإسلامية التقليدية حيث أعربت العديد من النساء الإماراتيات والمغتربات عن قلقهم، فهل يجوز لهم تأخير الأمومة؟ وهل يمكن لهم تناول وجبة في مطعم يقدم الكحول؟، ويحاول مفتيو أبو ظبي الأخذ في الاعتبار كيف تعيش المرأة الآن في محاول لسد الفجوة بين القيم القديمة والجديدة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحرير الاقتصاد من الاعتماد على النفط إلا أن الغالبية العظمي من إيرادات الحكومة تأتي من قطاع النفط والغاز، وتحتاج الإمارات إلى الاستثمارات الأجنبية والعمال الأجانب لبناء اقتصاد ما بعد النفط، ويمكن للبلاد أن تتحمل عنف الإسلاميين من النوع الذي دمّر الاقتصاد الذي يعتمد على السياحة مثل مصر وتونس، حيث أن معظم السكان مسلمين من جنوب آسيا والشرق الأوسط، وهم بلا جذور وبعيدين عن مجتمعاتهم حيث الأئمة هم قادة المجتمعات، ولدى الأوقاف 14 خط هاتف ويجب من خلالهم المفتيين الذكور والإناث على نحو ألف استفسار يوميا وترتفع إلى 3 آلاف في رمضان من الرجال والنساء، ويتم تقديم الخدمة بالعربية والإنجليزية والأوردية وهي أكثر اللغات شيوعا في البلاد، ويصدر العلماء الفتاوى وفقا لمذاهب الأئمة الأربعة للإسلام السنى، وتتيح سهولة الوصول إلى تشجيع السكان على اللجوء إلى المفتي المحلي بدلا من البحث على يوتيوب مثلا.
وأضاف سترينز " واحدة من الطرق التي تؤكد بها الإمارات سلطتها هو أنها تحمي الإسلام، فهي تضمن وجود مسجد في كل بقعة سكنية، وتتيح سهولة الوصول إلى علماء الدين للمواطنين، وهي ترى أن هذا واجب الدولة تجاه المواطنين"، ونجت الإمارات من ثورات الربيع العربي بفضل 6 عائلات مالكة أحكمت قبضتها على السلطة، ويعد المجتمع الإماراتي منفتحا نسبيا مقارنة بدول الخليج الأخرى مثلا السعودية، فالمرأة الإماراتية يمكنها القيادة والذهاب إلى المدرسة والعمل خارج المنزل، كام أن تغطية الشعر ليست إلزامية من قبل القانون على الرغم من أن غالبية نساء الإمارات تفعلن ذلك.
ولم تحدث أي هجمات إرهابية في الإمارت وكان الاستثناء الوحيد هو حالة ءلاء الهاشمي (30 عاما) في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2014، وهي أم إماراتية لستة أطفال وطعنت معلم أمريكي حتى الموت في مرحاض مركز تسوق فاخر في أبو ظبي، وعلمت المحكمة أنها تطرفت عبر الأنترنت من خلال تنظيم القاعدة، وتم اعتقالها وإعدامها رميا بالرصاص في يوليو/ تموز 2015، وربما لا يكون للمفتي سلطة سياسية أو قانونية لكنه يمارس قوية لها تأثير خفي على المجتمع من خلال تشكيل القيم وليس فقط من خلال العمل في مركز الفتوى ولكن أيضا ف المساجد حيث تُعقد حلقات دراسية خاصة بالإناث فقط، ومن بين تلك المحاظرات في مسجد الشيخ حمدان على مشارف أبو ظبي تتحدث ادثال الشامسي وهي مدرسة اماراتية متقاعدة (57 عاما) وحاصلة على لقب حافظة لحفظها القرآن، وتضاء مآذن المسجد باللون الأخضر وفي الخارج تتواجد حافلات لنقل الفتيات الصغيرات إلى منازلهم بعد إنتهاء دروس القرآن، ويقع قسم النساء في الجزء الخلفيم ن المسجد حيث تصعد الدرج الحلزوني وتفوح رائحة خشب الصندل من قاعة الصلاة.
وتقول الشماسي في محاضراتها " بالنسبة لنظرة الرجل إلى المرأة، فربما يكونا زملاء عمل مثلا أو في المحكمة، وإلا فيجب تجنب النظر للعين، وأنصح النساء بآلا يخرجن بالكثير من المكياج والتنانير القصيرة والملابس الضيقة"، وبعد الانتهاء من الدرس قبلت النساء الشماسي، ولا تصدر الشماسي فتوى ولكن حفظها للقرآن يمنحها رخصة الحديث في عن موضوعات محرمة في المجتمع العربي، وحذرت الشماسي من أن الرجال يجب آلا يشاهدوا المواد الإباحية لأنها تجعلهم يفقدون خلاياهم العقلية وأن الجنس الشرجي يعد خطيئة، وأحيانا تختار الشماسي الموضوع الذي تتحدث فيه وأحيانا تختار الأوقاف الموضوع، وفي نهاية الدرس يتم غرساله ملاحظتها إلى سلطة الأوقاف لفحصها خشية دعم الإسلام الراديكالي، وأصبح الجميع تحت رقابة مشددة منذ الربيع العربي، ولا أحد يناقش أمور السياسة في المحاضرات الدينية، وتابعت الشماسي " لماذا يتعرض النساء والأطفال للقتل في سوريا، فإذا قتلت ولا زلت أصلي فسوف أذهب إلى النار، وباعتباري مسلما لا يحق لي حتى سرقة قلم"، ولكسر حدة التوتر أثناء الدرس تمرر إحدى النساء أكواب من السحلب.
وتم افتتاح الخط الساخن للفتوى عام 2007، وفي العام التالي سافر فريق من العلماء إلى المغرب لتوظيف الخبيرات، حيث تتبع المغرب أيضا المذهب المالكي في الإسلام، وتفتقر الإمارات إلى المرأة الإماراتية المؤهلة، ووصلت المرأة للتعليم مؤخرا، حتى أنه من غير العادي أن تحصل الشماسي بين أبناء جيلهاع لى شهادة جامعية، وفي عام 1980 كان هناك فقط 2.7% من النساء ذهبن إلى الجامعة ولكن اليوم تفوق المرأة الإماراتية عدد الرجال في مرحلة ما بعد التعليم الثانوي حيث يمثلون نحو 70% من الطلاب في الجامعات الحكومية، ولدي النساء سجل حافل في مرحلة ما بعد التعليم الثانوي، حيث كانت الشيخة راضية والشيخة نعيمة متخرجات جدد عند توظيفهم في مركز الفتوى.
وحصلت الشيخة راضية على الدكتوراة في العلوم الإسلامية من جامعة محمد الخامس وتخصصت في الفقه، وكان دراستها حول رد الإسلام على اعتقاد المسيحية بأن المسيح يسوع ابن الله، ولديها مئات الأحاديث في متناول يدها، ويمكنها تفسير معناها وسياقها التاريخي بسهولة، وحصلت السيخة نعيمة على الدكتوراة من جامعة محمد الحسن الثاني في الدار البيضاء في كزابلانكا وهي حافظة للقرآن، وتربت الشيخة نعيمة التي يعمل والدها كصانع أثاث في أسرة متدينة، ولم يكن غريبا أن إيمانها كان هو مهنتها الدعوية، وربما يكون المفتي غير عادي في العالم الإسلامي الحديث ولكن لم يكن ذلك هو الحال طوال التاريخ الإسلامي، ففي عهد النبي محمد أصدرت نحو 130 امرأة عدة أحكام دينية، وأبرزهم السيدة عائشة زوجة الرسول الثالثة، وتمت فهرسة أسماء ما يقرب من 10 آلاف امرأة من العلماء معروفين في التاريخ بواسطة محمد أكرم الندوي الباحث الإسلامي الشهير الذي يعيش في أكسفورد، وأوضح الندوي " نشأنا في مجتمعات إسلامية حيث كانت النساء تُحبط من أي شيء، وهناك مساجد في بريطانيا لا تسمح بدخول النساء، ولكن قديما كانوا يعلمون ويدرسون في المساجد وكان ذلك أمر طبيعي".
ولا يناسب المفتيون أي فئات واضحة من التفسيرات الليبرالية أو المحافظة للقرآن الكريم، وأحيانا الفتوى الصادرة في أبو ظبي تمر بصعوبة بسبب قوانين البلاد، واتصل مؤخرا رجل من المغتربين بالخط الساخن وأوضح أن زوجته لديها وظيفة لكنها لم تكن تشارك في نفقات الأسرة، وأنه يفكر في إلغاء تأشيرة زوجته التي منحتها حق العمل في الإمارات وإرسالها إلى وطنهم، ويعد ذلك جائزا قانونا لكنه أراد أن يعرف ما إذا كان ذلك يعد خطيئة، وتبين أنه بالفعل يعد خطيئة، وجاء حكم الفتوى " لا يحق للزوج أخذ راتب زوجته أو حتى جزء منه دون رضاها الكامل"، ولن تتناسب آراء العلماء النساء إلى التعريف العلماني الغربي للنسوية، ونصحت الشيخة نعيمة النساء أنه إذا ما تأكدن أن أزواجهن يمارسون علاقات بلا زواج عليهم الزواج من عشيقاتهم كزوجة ثانية بدلا من الوقوع في خطيئة الزنا، وأجابت الشيخة راضية على إحدي السيدات التي أوضحت لها أن زوجها على علاقة بأخرى وأنها حزينة وسألت عما يجب أن تفعله، وقالت لها راضية "يجب أن تكملي حياتك، ولا تجعلي زوجك مركز حياتك، هل لديك أطفال؟ يجب أن تركزي معهم، وفكري بزوجك كزائر في المنزل يمكنه أن يأتي ويأكل ويذهب وينام وفقط، من المؤسف وقوع امرأة في حب رجل متزوج".
وتقول الشيخة راضية " لا يمكن اقناعها بالطلاق، فالطلاق يعد خطيئة يجب تجنبها، ولكن إذا كان زوجها يضربها على سبيل المثال فالإسلام يحرّم العنف المنزلي، فعندما تخبرني امرأة أن زوجها يضربها أسألها عما إذا كان هناك سبيل للمصالحة، وإن لم يكم أخبرها بأن تستدعي الشرطة والخدمات الاجتماعية"، وفي ظل سعي الإمارات للجمع بين الطراز الغربي والحداثة الإسلامية يتغير دور المرأة، حيث أن معظم النساء سواء كانوا إماراتيين أو عرب أو آسيويين مغتربين يتقاسمون العبء المالي مع أزواجهن ويعملون خارج المنزل، ويتواصلون مع أفكار وثقافات جديدة، وبدأت بعضهن في تحقيق الأفكار التي يقبلونها مع كبر السن، حتى أن عدد قليل من النساء يشككون في ضرورة ارتداء الحجاب، وتعطي الشيخة نعيما تعاضرة في مسجد تم تجديده حديثا ويقع في حي الأثرياء حيث يحيط به الفلل ذات الأسوار العالية، وتجلس الشيخة نعيمة تتناول القهوة بينما يعد معظم جمهورها في الثلاثينات والأربعينات وأكبر ومعظمهم إماراتيين وبعضهم فلسطينيين وسوريين ومغاربة.
وتناولت المحاضرة خطيئة قول الشائعات عن أشخاص آخرين، وسألت امرأة فلسطينية سؤال "هل تغطية الشعر إلزامية؟ فبعض النساء يغطون شعرهم والبعض لا"، وأجاب الشيخة نعيمة " نعم إنه إلزامي وهو أمر في سورة النور"، لكن المرأة الشابة لم تكن راضية وأوضحت أنها ارتدت الحجاب في سن المراهقة وهي الأن في عمر الثلاثين وغير متزوجة وهي تخشى من أن تبدو من الطراز القديم، ونصحتها شقيقتها بأن خلع الحجاب خطيئة وترتدي والدتها أيضا الحجاب لكنها مترددة حيث نشأت في فترة السبعينات بشكل علماني حيث كان القليل من النساء العربيات يغطين شعرهن، وسألت المرأة الشابة عن النقاب الذي يغطي الوجه ولا يظهر سوى العينين، وأجابت الشيخة نعيمة " إنه خيار ثقافي لبعض الدول في الخليج ولكن ليس عليك ارتداؤه"، وشكرتها المرأة الشابة بأدب قائلة " الشيخة نعيمة لديها المعرفة وسوف أستمع لما قالته ولكن كنت أتمنى لو لم أرتدي الحجاب، أحب إظهار شعري".
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
أرسل تعليقك