لا يعد الوصول لعلاجٍ طبي أو مصلٍ أولقاح ضد أمراض خطيرة أمرًا سهلاً، لأنه وبعد إنهاء التجارب المعملية على الفئران يتطلب تطبيقه على البشر للتأكد من فعاليته، وهنا يأتي دور أكثر البشر تضحية من أجل إنقاذ حياة الآخرين، ويذكر التاريخ اسم الممرضة الأميركية كلارا ماس (Clara Maass) والتي فارقت الحياة في ريعان شبابها بعد أن وافقت على جعل نفسها "فأر تجارب" بشريا خلال الأبحاث حول مرض الحمى الصفراء.
بدأت قصتها أثناء الحرب الأميركية الإسبانية سنة 1898، حينما تطوع العديد من النساء الأميركيات للعمل كممرضات بمراكز الصحة العسكرية بولايات فلوريدا وجورجيا ومنطقة سانتياغو الكوبية للاعتناء بالجنود الذين عانوا طيلة هذه الحرب من أمراض مختلفة، كان أبرزها الحمى الصفراء والتي تسببت لوحدها حسب العديد من المصادر في وفاة عدد هام من الجنود تجاوز عدد الذين سقطوا خلال المعارك.
وخلال تلك الفترة، تطوعت الأميركية كلارا ماس البالغة من العمر حينها 21 سنة للعمل كممرضة لصالح الجيش الأميركي، وقد حافظت الأخيرة على هذه الوظيفة إلى حدود شهر شباط/فبراير 1899، حيث تم الاستغناء عن خدماتها بشكل مؤقت قبل أن تعود مرة ثانية خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1900 لمواصلة مهامهما بكوبا لصالح لجنة بالجيش الأميركي مختصة في دراسة الحمى الصفراء.
أقرأ أيضاً :
وعقب نهاية الحرب الأميركية الإسبانية منتصف شهر آب/أغسطس سنة 1898، انتشر مرض الحمى الصفراء بشكل سريع في كوبا، وهو ما أثار قلق الأميركيين الذين فضلوا إرسال لجنة طبية وعلمية مختصة لدراسة هذا المرض عن كثب.
وفي خريف عام 1900، نشر الطبيب الأميركي وليام غورغاس (William Gorgas) إعلانا للحصول على خدمات عدد من المتطوعين لإجراء تجارب حول مرض الحمى الصفراء. ولتشجيع المتطوعين، عرض وليام غورغاس مكافأة قيمتها 100 دولار لكل متطوع، ووعد بتقديم 100 دولار إضافية لمن يصاب منهم بالمرض. وقد لجأت السلطات الأميركية للاعتماد على فئران تجارب بشرية بدل الحيوانات بسبب عدم قدرتها على تحديد تأثير الحمى الصفراء على هذه الأخيرة وصعوبة الحصول على نتائج واضحة.
وعلى الرغم من علمها بمخاطر الإصابة بهذا المرض ومشاهدتها لمعاناة الجنود خلال الحرب الأميركية الإسبانية، تطوعت كلارا ماس لتكون بذلك واحدة من "فئران التجارب" البشرية لدراسة الحمى الصفراء. وخلال شهر آذار/مارس 1901، أجريت أول تجربة على هذه الممرضة تعرضت خلالها للسعة بعوضة تغذت طيلة الفترة السابقة على دم مصابين بالحمى الصفراء. وعقب هذه التجربة الأولى، أصيبت كلارا ماس بأعراض المرض قبل أن تتماثل تدريجيا للشفاء.
وأثارت نتائج الأبحاث قلق الأطباء حيث كان هؤلاء متيقنين من نقل البعوض للمرض. وبسبب تماثل الذين خضعوا للتجربة للشفاء سريعا، افتقر الباحثون للدليل القاطع الذي يؤكد مسؤولية هذه الحشرة في نقل الحمى الصفراء.
وخلال شهر آب/أغسطس 1901، وافقت كلارا ماس على أن تتعرض للسعة ثانية من بعوضة مصابة بالحمى الصفراء. لكن خلال هذه التجربة الثانية اختلفت النتائج عن تلك التي تم التوصل إليها بالتجربة الأولى، حيث تدهورت الحالة الصحية لكلارا ماس بشكل سريع لتفارق الحياة يوم 24 آب/أغسطس 1901 عن عمر يناهز 25 سنة.
وعن طريق التجربة الثانية، حاول الأطباء إثبات نظرية اكتساب جسم الإنسان لمناعة ضد مرض الحمى الصفراء عقب إصابة سابقة به وبسبب وفاة كلارا ماس جاءت النتائج مخيبة للآمال لتثبت عكس ذلك. في الأثناء، أثارت وفاة كلارا ماس موجة استياء شديدة بالولايات المتحدة الأميركية أسفرت عن وضع حد لاستخدام البشر كفئران تجارب أثناء الأبحاث على مرض الحمى الصفراء.
وفي غضون ذلك، دفنت جثة كلارا ماس بمقبرة المستوطنين بهافانا بكوبا وظلت هنالك لأشهر قبل أن تنقل خلال شهر شباط/فبراير 1902 لتدفن بمقبرة فيرمونت بمدينة نيوآرك بولاية نيوجرسي الأميركية، لتسجل اسمها بالإضافة للطبيبين البريطانيين جوناس كيلغرين والسير توماس لويس وتجاربهما المؤلمة على العظام، وعالم الكيمياء الألماني ماكس جوزيف فون بيتينكوفر وتجربته الخطيرة باستخدام بكتيريا الكوليرا، ومغامرة الطبيب الإيطالي جيوفاني غراسي المرعبة مع الديدان الشريطية.
قد يهمك أيضاً :
GMT 10:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر
أحدث موديلات الجاكيت الفرو لإطلالاتك الكاجوال لشتاء 2025GMT 10:38 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر
أومبريا وجهة إيطالية تمنحك مزيجاً لا يُنسى من الهدوء والإثارةGMT 10:29 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر
طرق مختلفة لتنسيق اللون الأسود في ديكور منزلكGMT 10:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر
دراسة تؤكد أن السمنة تؤدي إلى تقصير عمر الإنسان بما يقارب الـ5 سنواتGMT 09:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر
حاتم عمور يُؤكد أن ألبومه الجديد "غي فنان"مسلسل قصير كل حلقة فيه مستوحاة من المجتمع Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
أرسل تعليقك