أتساءل دوما حول إدراك الناس للمعنى الحقيقي لكلمة تضحية.
وأقول هذا وأنا أعترف أنني أنا نفسي لطالما استخدمت هذه الكلمة في انتظار ثمن مؤجل لتضحياتي التي انسكبت على طرقات الحياة ولم يكن هناك من يلملمها، بل على العكس تبعثرت هباء منثورا ولم يبق سوى طعم مرارتها في نفسي.
ولطالما فاجئني ارتباط هذه الكلمة بالإحساس النفسي العميق بالظلم للشخص المضحي، واعتقاده بأن الشخص أو القضية التي ضحى من أجلها ستبقى تذكره على الدوام لمجرد أنه ضحى!
أكاد أجزم بأنني -وعلى مدى مرحلة الإدراك الواعي من عمري خلال الثماني وثلاثين عاما الماضية- رأيت عشرات السيدات اللواتي انسكبت دموعهن على وجناتهن مرارا لأن التضحية التي قمن بها لم يأتِ تعويضها كما توقعن.
وكانت الأسباب التي استدعت هذا الفعل النبيل هي هي نفسها؛ مثل الحفاظ على بيت الزوجية، وإعطاء الشعور بالأمان للأولاد، وإبقاء سفن الحياة الزوجية سائرة، أو مجرد عاطفة الأمومة التي بسببها تضحي ملايين النساء، أو ضحت لأنها ببساطة لم تكن تملك البديل.
وأنا هنا لا أستثني الأخوة الرجال من التضحيات، أو أعمم أن التضحية محصورة فقط بالنساء.
ولكن في هذا الموضوع بالذات، تتحكم النفس الإنسانية بردود الفعل والتوقعات وليس النوع الاجتماعي.
وخلال كتابتي لهذا الموضوع، خطر لي ارتباط كلمة تضحية بالأضحية (أضحية العيد). وكيف أن هناك مجال للمقاربة سواء من حيث اللغة أو الفعل نفسه: فنحن نضحي بالمواشي ونهبها للفقراء والمساكين وينتهي الموضوع عندها، ونتوقع أجرنا عند الله الذي لا تضيع عنده الحقوق والحسنات. لا نستمر في تذكير الفقراء والمساكين بالأضحية كلما سنحت الفرصة، ولا يمكننا أن نعيد إحياء المواشي رحمها الله بعد موتها إن لم يعجبنا رد فعل المتلقي. وهكذا هي التضحية، يجب أن يموت الإحساس بها بمجرد إتخاذنا القرار بالتضحية، وأن نبق نصب أعيننا أنه ليس بالضرورة لأننا ضحينا أن يكون المردود دائما في صالحنا، لأن العدل في الأرض أساسا غير موجود. تضحيات الأب والأم من أجل أبنائهم هي استثمار في العلاقات بينهم إن لم يكن واجبا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون رادعا لحقوق الأبناء، بل يبق الأمل في حسن التنشئة والتربية والذين لا يفلحان دائما.
الحل في أن يسأل كل شخص نفسه: هل أنا على استعداد لهذه التضحية ولا أتوقع مقابلها شيء؟ أم أنني سأضحي ويبقى في نفسي أمل ولو ضئيل أنني سأحصّل ثمنها بطريقة أخرى وإن طال الزمن؟ وإذا كان الجواب بنعم للشق الثاني من سؤالي، أنصح كل شخص مقدم على هذه الفعلة الشجاعة والسامية بالتراجع فورا وبدون تردد... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.