إن السكري يشكل وباءاً في العصر الحديث فقد كان عدد المصابين به في العالم عام (1985) 30 مليون من البشر ارتفع إلى 135 مليون في عام 1995 وإلى 177 مليون عام 2000 ومن المتوقع أن يصل إلى 370 مليون في عام 2030، وهذه الزيادة ستكون أكثر في الدول النامية منها في الدول المتقدمة، كما أنه من المعروف أن الإضطرابات النفسية تشكل 19% من حجم العبء الصحي في العالم، إذ أن الإكتئاب والفصام واضطراب المزاج المزدوج هي الثلاثة الأولى في قائمة العشرة أمراض التي تسبب إعاقات في العالم.
إن العلاقة بين الإضطرابات النفسية والسكري ذكرت منذ عام 1889 عندما قال السير هنري مود ربي بأن السكري في العادة يظهر في النساء اللواتي يعانين من اضطراب عقلي.
السكري هو مجموعة من الإختلالات في التمثيل الغذائي يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم ونقص في الأنسولين من حيث الإفراز أو المفعول أو كلاهما معاً وهذا يؤدي إلى تأثيرات على مختلف أعضاء الجسم كالعين والكلى والأعصاب والقلب والأوعية الدموية ويقسم السكري إلى:
– النوع الأول والذي يكون به تلف في خلايا البنكرياس وهو نقص كامل في هرمون الأنسولين ويعتقد بأن له علاقة في جهاز المناعة.
– أما السكري من النوع الثاني فهو يبدأ من المقاومة للأنسولين أو ضعف إفرازه وهناك أنواع أخرى قد تنتج عن بعض الإضطرابات الو راثية أو إضطرابات الغدد بشكل عام والالتهابات، وهناك سكري الحمل.
تتم معالجة السكري إما بالأنسولين أو بالعقاقير المختلفة التي تعمل على السيطرة على نسبة السكري.
الجوانب النفسية للسكري:
أتضح من خلال المشاهدات والدراسات أن الضغوط النفسية تلعب دوراً مهماً في إحداث السكري واستمراره وتفاقمه, وخصوصاً الأشخاص الذين يميلون إلى القلق والعدوانية والكآبة فإنهم أكثر عرضة من غيرهم، كما أن تشخيص السكري بحد ذاته يعتبر أحد الضغوط النفسية التي تقع على الفرد والأسرة, لما يحمله الناس من معلومات عن مخاطر ومضاعفات يراها المريض فيمن حوله ويسمع عنها، ومن المعروف أن الارتفاع الحاد في سكري الدم أو الانخفاض الحاد قد يؤدي بشكل من الأشكال إلى تدهور في قدراته العقلية وقد يساعد على حدوث الخرف في الحالات التي لا يتم فيها السيطرة على السكر ويحدث فيها تصلب للشرايين.
إن انتشار الأمراض النفسية قد دُرس في مرضى السكري وأقاربهم وقد تبين في دراسات مختلفة أن نسبة حدوث الرهاب في النساء المصابات في السكري والشخصية السيكوباثية كانت أعلى مما هو ملاحظ في المجتمع، وأن 70% من أفراد الأسر المصابين في السكري يصابوا بمرض نفسي أو آخر في حياتهم 40% بأمراض القلق و30% بالإكتئاب و14% بالرهاب.
كما أن مرضى السكري يعانوا من إضطرابات التكيّف وأن أكثر من ثلث مرضى السكري يعانوا من هذه المشاكل في الفترة الأولى من المرض أو في حالات التقدّم وحدوث المضاعفات والدراسات المتكررة تؤكد ارتفاع الإكتئاب بين مرضى السكري وتصل الإصابة بينهم إلى 27% في حين أنها لا تتجاوز 10% في المجتمع، وأما إضطرابات القلق فإنها قد تصل إلى ما يزيد عن 40% بين مرضى السكري ويؤثر القلق والإكتئاب وحدوثه على ضبط سكري الدم كما أن عدم ضبط سكري الدم يزيد من فرصة حدوث الإضطرابات النفسية وهنا ندخل في حلقة مفرغة.
من المعروف أن السكري يؤثر على الوظائف الجنسية وهناك تشابك بين الآثار على الجهاز العصبي والآثار المباشرة على الأوعية الدموية والآثار النفسية وآثار الأدوية وكذلك آثار القلق والإكتئاب الشائع في مرضى السكري ، ولا بد من أن يأخذ بالاعتبار هذا الأمر , ولا يعزى دائماً إلى اعتلال الأعصاب الطرفي في مرضى السكري ، كما أن هناك ارتباط بين إضطرابات النوم في مرضى السكري وإضطرابات الجنس ومعروف أن بعض مرضى السكري يتأثر نومهم لتكرار صحوهم في الليل لقضاء الحاجة ، ويتجاوب هؤلاء المرضى مع المعالجات العادية للإضطرابات الجنسية.
دلت الدراسات أيضاً على أن إضطرابات الطعام بإشكالها المختلفة تكون ضعف الانتشار في المراهقين المصابين بداء السكري.
من هذا الاستعراض يتضح لنا أن رعاية مريض السكري ليست مقتصرة فقط على ضبط السكر ونسبه وفحوصات الدم، بل هي عملية طبية نفسية اجتماعية متكاملة لا بد أن يأخذ فيها بالاعتبار كل هذه الجوانب حتى نصل إلى المعالجة الشمولية وليس العضوية ويتحسن مريض السكري من جميع الجوانب، وإذا أهمل مريض السكري فإن ضبط السكري يكون في منتهى الصعوبة.
مستشار الطب النفسي
الدكتور وليد سرحان
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
أرسل تعليقك