المشكلة : أنا شاب عمري 27 سنة، حاصل على شهادة ليسانس في الحقوق، ومشكلتي في حياتي منذ الصغر هي والدي. فعلاقتنا في توتر دائم، وأنا لا أطيق رؤيته ولا سماع صوته، أشعر أنني أكرهه بالفعل، فعلى الرغم من أنه موظف ولديه مال إلا أنه يبخل علينا، كنا نقيم أنا وأختى وأخي وأمي في حجرة متهالكة في بيت عائلة والدي، وهو رافض أن يجعل لنا بيتًا جيدًا مع أنه قادر على ذلك، ومنذ فترة طردتنا عائلته من الغرفة وقامت أمي بتأجير بيت وهو مقيم معنا ولا يدفع شيئًا ويقول للجيران أنه هو من ينفق علينا ويدفع أجرة البيت. والدي ينفق ماله على نفسه، مظهره، طعامه، ملابسه، وأمي تعمل طول عمرها وتنفق علينا، عندما كبرت كنت أسمعه عندما تشكو له أمي وتريد مصروفًا لشراء احتياجاتنا :" كيما سوفريت انا يسوفريو هما" معناها " كما عانيت و قاسيت هم أيضا يجب ان يعانوا مثلي "!! فهل يوجد شخص يقول مثل هذا الكلام يستحق لقب أب، أو أن يحترم كرجل؟! وما يؤلمني أنني أعاني البطالة، ولو وجدت عملًا فإن أجرته لا تساعد في شيء، بينما هو قارب على الشيخوخة ويتعامل مع نفسه كمراهق، في الاعتناء بنفسه ومظهره وكل ما يخصه، لدرجة أنه يفتش حاجياتنا عندما نخرج من البييت لعله يجد مالًا يأخذه لنفسه، ويطلب من أختي أن تدفع له تكلفة فحوصاته الطبية، ويسرق ملابسي الداخلية وجواربي، ويحسدنا على أكلة طيبة أو ملابس جيدة تجلبها لنا أمنا!! أنني أكاد أجن من تصرفاته، وأفكر في طرده من البيت، لا أريده في حياتي، ولا أمي وإخوتي يريدونه، فهل هذا مخالف لأمر الله ورسوله، ماذا أفعل؟
الحل : أتفهم جيدً ما تقصده وما تعنيه، وأرجو أن تجد عبر هذه السطور ما يعينك على العيش في سلام، وتجاوز هذه الأزمة. لاشك أن من أصعب ما يمكن أن يتعرض له الطفل أن يتواجد مع تلك الشخصية التي ترى أنها المركز الوحيد للكون، وأن احتياجاتها أولى وأفضل من احتياجات الآخرين حتى لو كان هؤلاء أقرب المقربين له، تلك الشخصية الأنانية التي لا تعترف بحقوق من حولها، ولا تهتم سوى بنفسها، ولا تعيش سوى لنفسها فقط، إنها تلك التي تسمى "الشخصية النرجسية"، عندها يتعرض الطفل لأبشع صور الابتزاز النفسي والتشويه التربوي. والآن، إن ما حدث قد حدث يا عزيزي الطيب، تمت الاساءات النفسية من قبل والدك ولم يكن هذا مسئوليتك إنما قدرك، وعليك الآن مسئولية "التعافي" ، لا تنشغل كثيرًا بتقييم موقف والدك وموقفك، أنت محتاج لتفهم أولوياتك، وفي مقدمتها الحفاظ على نفسك. لا تدع هذا الإضطراب النفسي الموجود في والدك وما نتج عنه من سلوكيات شاذة لا تنتمي للأبوة بصلة، أن يؤثر عليك أكثر من ذلك، لابد أن تقطع التأثيرات السلبية ، فأنت لا تستطيع تغيير والدك ولكنك تستطيع تغيير تأثيراته عليك. إننا يا عزيزي عندما نقع في قبضة شخص نرجسي تربطها به صلة رحم كهذه فلا حل للتعافي سوى "الإستقلال"، مكانيًا أو نفسيًا أو كلاهما، وفي غضون ذلك تتحاشى وتقي نفسك شره وايذاؤه النفسي، بتواصل رحيم تضع فيه نية البر، بينما أنت تعرف حقيقة أن والدك مريض نفسيًا وغير سوي ومن ثم لا تعول عليه في شيء. انس أن هذا الرجل"والد"، وارض بقضاء الله وقدره، وابدأ وفورًا في الانتباه لذاتك، والتحضير للاستقلال عنه، دع عنك فكرة طرده فهي غير جيدة بالمرة ستضرك اجتماعيًا وتضعك في قفص اتهام مجتمعي يزيد الطين بلة، انفصل شعوريًا حتى تنفصل مكانيًا وماديًا، اقض وقتك في بذل الجهد لأجل ذلك وسيوفقك الله، فهذا واجب الوقت نتيجة لهذه الظروف الصعبة وواجب مرحلتك العمرية. الخطوة الوحيدة المقبولة اجتماعيًا لكي يغادر والدك بيتكم الذي تدفع أمكم أجرته هو أن تطلب والدتك التطليق منه، فهل هي تريد ذلك، ولم لم تفعل حتى الآن وهو متسبب لكم في كل هذا الأذى، لا شك أن الإجابة خاصة وعند والدتك وحدها، والقرار لها وحدها، أما وأنها لم تفعل فسيكون ذلك صعبًا. احتسب ما تفعل، واحتسب قدرك، وادع الله كثيرًا أن يعجل بنجاتك ووالدتك واخوتك من أسر والدك وأذاه النفسي، وعامله كمريض تعاملًا رحيمًا لا يشعرك بتأنيب ضمير، ولا تدع هذا الإحساس يستولي عليك، ما ذكرته يبين بوضوح وجود أب عاق ومضطرب نفسيًا، وهذا كاف لكي لا تشعر بأي احساس بالذنب يعطلك ويعوق طريقك للاستقلال عنه، واعلم أنه ليس المطلوب منك أن تحبه، وإنما تبره، ولا علاقة للبر بطاعته فيما يؤذيك، والله يعلم بمحنتك وما أنت فيه من ابتلاء، فاستعن بالله ولا تعجز.
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©
أرسل تعليقك